للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سيرته، فقد كان المرشد الكبير الهادي إلى القرآن، وشكل ثنائيًا مع ابن مسعود. وعندما انتخب علي خليفة في خلعه كما أشرنا، لكنه لم يستطع، غير أن أبا موسى اضطر تحت ضغط قوي شديدة أن يبايع عليًا وراءه كل المدينة، إنه تناقض المجتمع الكوفة المتمسك بأميره، والمحتوي في آن علي قوى مؤيدة لعلي، وهو تناقض مقبل على الانفجار١.

تحفظ أبو موسى الأشعري تجاه دعوة علي، وتبعه الكوفيون، مما اضطر عليًا إلى إرسال الرسل إليه بشكل متواصل، طالبًا منه تجهيز الرجال، لكنه كان يبدي معارضة مطلقة، ويواجه طلبه برفض قاطع ضاغطًا بكل ثقله لكي يثني الكوفيين عن الوقوع في ما كان يعده بمثابة فتنة "صماء عمياء"٢، وقد مثل عقبة كأداء ومشكلة حقيقية بالنسبة لعلي الذي كان عليه تذليلها.

لقد طلب أبو موسى الأشعري من الكوفيين أن يغمدوا سيوفهم، ويقبعوا في بيوتهم إلى أن تتجدد الوحدة وتزول الفتنة، كان يريد تجنيب أهل الكوفة هذا الشر الذي هو الحرب الأهلية بين المسلمين، وزرع بذور السلام٣.

نجح أبو موسى الأشعري أن يدخل في ضمائر الكوفيين أفكاره السلمية، بحيث لم يتمكن علي من تجنيد أكثر من تسعة آلاف مقاتل من أصل أربعين ألفًا، وتجنب زعماء القبائل الاشتراك في الحرب الأهلية، مثل الأشعث بن قيس، وجرير بن عبد الله البجلي، كذلك فإن الذين كانوا متواجدين في الكوفة لن يشتركوا فيها أيضًا، مثل سعد بن قيس زعيم همدان، وشبث بن ربعي أحد رؤساء تميم، وساند بعضهم عليًا مثل عدي بن حاتم، ومخنف بن سليم.

تمكن علي، على الرغم من الانقسام الداخلي في الكوفة، من السيطرة على المدينة، وجرى تجاوز أبي موسى الأشعري بعد أن أرسل ابنه الحسن، فعزله وطرده من الكوفة، وكون لنفسه جيشًا بلغ تعداده عشرين ألفًا٤، استند بشكل أساسي على عناصر كوفية، فهل ربط علي مصيره بالكوفيين عرضا أم بحكم الواقع؟ توحي روايات المصادر بنوع من اللامبالاة في علاقات علي بالكوفيين، وبخاصة أن هواهم كان من ابن الزبير، وأنهم تمسكوا بواليهم أبي موسى الأشعري، وعندما علم علي بذهاب خصومه إلى البصرة أعلن تفضيله الكوفة، وهذا يدل على أن الأمصار لم


١ جعيط: ص١٥٩.
٢ الطبري: ج٤ ص٤٨١-٤٨٤.
٣ المصدر نفسه.
٤ المصدر نفسه: ص٥٠٥.

<<  <   >  >>