للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي لم تكن سوى توسع طبيعي في مجاله، وجه حملتين إلى الحجاز: الأولى بقيادة عبد الله بن مسعدة الفزاري، فشلت في دخوله، فقد انهزم عبد الله أمام المسيب بن نجبة الفزاري١، والثانية بقيادة بسر بن أرطأة, وقد تمكن من السيطرة على الحجاز٢، الأمر الذي كان له تأثير سلبي بالغ على أوضاع علي، فقد أضحت مكة والمدينة تحت سيطرة خصمه مما عزز موقعه المعنوي، حيث أضحى بإمكانه التقلب بالخلافة دون حرج، وهكذا انهارت عمليًا الخلافة الراشدية٣، كما انتزع ابن أرطأة اليمن من نفوذ علي، وضمه إلى نفوذ معاوية.

وفيما يتعلق بهجمات معاوية على الأراضي العراقية، فيمكن تصنيفها في مجال الضغط النفسي، فمن واقع العلاقات المتوترة القائمة بين علي والكوفيين، حاول معاوية إثارة أهل البصرة لاستقطابهم، والمعروف أن علاقة البصريين بعلي لم تكن على مستوى علاقته بالكوفيين بعد الجرح الذي تسببت به وقعة الجمل، والواقع أن معاوية كان يراهن على تفكك العراق من خلال هذه الثغرة، وإضعاف قوة علي العسكرية، فقد بعث عبد الله بن عمرو الحضرمي إلى البصرة لإقناع أهلها بالانضمام إليه٤، كما أن الحملات العسكرية التي أرسلها إلى عين التمر وهيت، والأنبار والمدائن تصب في هذا الاتجاه٥.

كان من المتوقع أن يتمخض عن العلاقة بين علي، ومعاوية التي بلغت الذروة في التوتر؛ حل معين، مؤقت أو نهائي، وتستحضرنا هنا فكرة الاتفاق على التقسيم التي أوردتها روايات المصادر، والتي عرضها معاوية وقبلها علي، وتقضي بأن يكون العراق تحت إمرة هذا الأخير، ويحتفظ معاوية ببلاد الشام على أن تتوقف رحى الحرب٦.

والراجح أن هذه القسمة تتعارض مع الأفكار السائدة آنذاك، وتوجهات الرجلين، بالإضافة إلى وحدة الأمة الإسلامية، لذا كان لا بد من تجدد المواجهة الشاملة.

وتشددت المواقف في ظل البحث عن حل، فحين رأى معاوية أن جهوده لنسف كيان علي لم تثمر، وأنه ما زال صامدًا في العراق على الأقل، ويبدو أنه كان شديد الحرص على عدم القيام بهجوم عام، أخذ يتهيأ لإعلان نفسه خليفة في بيت المقدس، وبايعه رجاله، وقد عد ذلك تحديًا سافرًا لعلي الذي رد بتعبئة عامة ضد ما


١ الطبري: ج٥ ص١٣٤، ١٣٥.
٢ المصدر نفسه: ص١٣٩، ١٤٠.
٣ بيضون: ص٩٤، ٩٥.
٤ الطبري: ج٥ ص١١٠.
٥ المصدر نفسه: ص١٣٣، ١٣٤.
٦ المصدر نفسه: ص١٤٠.

<<  <   >  >>