وتوجه كل واحد منهم إلى المدينة التي يقيم فيها صاحبه المكلف بقتله، الأول إلى الكوفة، والثاني إلى دمشق، والثالث إلى الفسطاط، وتواعدوا على تنفيذ الخطة، فجرم يوم الجمعة "١٧رمضان ٤٠هـ/ ٢٤ كانون الثاني ٦٦١م".
قدم ابن ملجم إلى الكوفة، واحتك بوسطه الطبيعي، الخوارج، الذين ينتمي إليهم متكتمًا حول مشروعه، ومنتظرً الموعد المحدد، وساقته الصدفة في تلك الأثناء إلى التعرف على امرأة تدعى قطام بنت الشجنة من تيم الرباب، فشغف بها، وأراد أن يتزوحها، كانت هذه المرأة مشحونة بميل شديد للانتقام من علي الذي قتل أباها وأخاها يوم النهروان، فاشترطت عليه عدة شروط كمهر لها كان من بينها قتل علي، لكن هذا الواقع صادف مشروعًا مخططًا له، فباح لها عندئذ بسره، وأخبرها عن سبب حضوره "فوالله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي، فلك ما سألت".
وقامت قطام بتنظيم عملية القتل، واختارت شخصًا من قومها لمساعدة ابن ملجم يدعى وردان، واستمال ابن ملجم، من جانبه، رجلًا ثانيًا يدعى شبيب بن نجدة الأشجعي الحروري، وقام بتسميم سيفه بحيث أن عليًا لا يمكنه أن ينجو حتى، ولو أصيب بجرح.
وتربص الثلاثة في اليوم المحدد لعلي في المسجد، وما إن دخل وراح يدعو الناس إلى صلاة الفجر، عاجله شبيب بضربة من سيفه، لكنه أخطأه وأصاب عضادة الباب١، فأعقبه ابن ملجم بضربة أخرى، وهو يقول:"الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك"، وأصابته في جبهته وشجتها، فسال الدم على لحيته.
كانت الضربة محكمة وقاتلة، وسيقضي علي ليلتين وهو يحتضر، وقبض الحاضرون على ابن ملجم، ولاذ شبيب بالفرار وتمكن من النجاة، أما وردان فانفلت في زحام الناس، لكن أدركه رجل من حضرموت وقتله.
وحمل علي إلى بيته، وهو يكبر "لا إله إلا الله"، وطلب من ابنه الحسن أن يقتل ابن ملجم إن هو مات، ثم أخذ يوصي بنيه بتقوى الله، وطلب منه المسلمون أن يبايع ابنه الحسن، فأجابهم "لا آمركم ولا أنهاكم"، ثم توفي متأثرًا بجرحه، وصلى عليه ابنه الحسن، ودفنه في دار الإمارة بالكوفة، وفي رواية فيما يلي قبلة المسجد الجامع، وأخفى قبره خشية من أن ينبشه الخوراج.
تلك إذن هي صورة الحادثة كما رواها الإخباريون، وعلى الرغم من تشكيك عدد
١ عضادة الباب: الخشبة المنصوبة عن يمين الداخل أو شماله.