الحديث الثامن والأربعون: ثلاث حقّ على الله عَوْنِهِمْ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ حقٌّ على الله عَوْنُهم: المُكاتب يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالْمُتَزَوِّجُ يُرِيدُ العَفاف، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ إلا النسائي١.
وذلك: أن الله تعالى وعد المنفقين بالخلف العاجل، وأطلق النفقة. وهي تنصرف إلى النفقات التي يحبها الله؛ لأن وعده بالخلف من باب الثواب الذي لا يكون إلا على ما يحبه الله.
وأما النفقات في الأمور التي لا يحبها الله: إما في المعاصي، وإما في الإسراف في المباحات: فالله لم يضمن الخلف لأهلها، بل لا تكون إلا مغرماً.
وهذه الثلاثة المذكورة في هذا الحديث من أفضل الأمور التي يحبها الله.
فالجهاد في سبيل الله: هو سنام الدين وذروته وأعلاه. وسواء كان جهاداً بالسلاح، أو جهاداً بالعلم والحجة. فالنفقة في هذا السبيل مخلوفة وسالكُ هذا السبيل معانٌ من الله، مُيَسَّرٌ له أمرُه.
وأما المكاتب: فالكتابة قد أمر الله بها في قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور:٣٣] , أي: صلاحاً في تقويم دينهم ودنياهم. فالسيد مأمور بذلك. والعبد المكاتب الذي يريد الأداء، ويتعجل الحرية والتفرغ لدينه ودنياه يعينه الله، وييسر له أموره، ويرزقه من حيث لا يحتسب.
وعلى السيد: أن يرفق بمكاتبه في تقدير الآجال التي تحل فيها نُجُوم الكتابة، ويعطيه من مال الكتابة إذا أدَّاها ربعها.
وفي قوله تعالى في حق المكاتبين {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:٣٣] أمر للسيد ولغيره من المسلمين. ولذلك جعل الله له نصيباً من الزكاة في قوله:
(١) حسن: أخرجه عبد الرزاق ٩٥٤٢, وأحمد ٢/٢٥١, والترمذي ١٦٥٥, وابن ماجه ٢٥١٨, والنسائي ٦/١٥, ٦١, والحاكم ٢/١٦٠, ٢١٧, والبيهقي ٧/٧٨, وانظر: "غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام" ٢١٠ لشيخنا الألباني.