للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث السادس والعشرون: من خصائص النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

عن جابر بن عبد الله رضي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصرت بالرُّعبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ, وجُعلت لِيَ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا. فأيُّما رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فليُصلّ، وأُحلّت لي الغنائم، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي. وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ. وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى الناس عامة" متفق عليه١.

فُضِّل نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم بفضائل كثيرة فاق بها جميع الأنبياء. فكل خصلة حميدة ترجع إلى العلوم النافعة، والمعارف الصحيحة، والعمل الصالح. فلنبينا منها أعلاها وأفضلها وأكملها. ولهذا لما ذكر الله أعيان الأنبياء الكرام قال لنبيه: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:٩٠] , وهداهم: هو ما كانوا عليه من الفضائل الظاهرة والباطنة.

وقد تمم صلّى الله عليه وسلم ما أمر به، وفاق جميع الخلق، ولذلك خصّ الله نبينا بخصائص لما يشاركه فيها أحد من الأنبياء، منها: هذه الخمس التي عادت على أمته بكل خير وبركة ونفع.

إحداها: أنه نصر بالرعب مسيرة شهر، وهذا نصر رباني، وجند من السماء يعين الله به رسوله وأمته المتبعين لهديه، فمتى كان عدوه عنه مسافة شهر فأقل فإنه مرعوب منه، وإذا أراد الله نصر أحد ألقى في قلوب أعدائه الرعب، قال تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [آل عمران:١٥١] , وألقى في قلوب المؤمنين من القوة والثبات والسكينة والطمأنينة ما هو أعظم أسباب النصر، فالله تعالى وعد نبينا وأمته بالنصر العظيم، وأن يعينهم بأسباب أرشدهم إليها، كالاجتماع والائتلاف، والصبر والاستعداد للأعداء بكل مستطاع من القوة إلى غير ذلك من الإرشادات الحكيمة، وساعدهم بهذا النصر، وقد فعل تبارك وتعالى، كما هو معروف من حال نبينا صلّى الله عليه وسلم والمتبعين له من خلفائه الراشدين والملوك الصالحين، تم لهم


(١) أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: ٤٣٨, ومسلم في "صحيحه" رقم: ٥٢١.

<<  <   >  >>