للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعاملات، والورع عن ظلم الناس في دمائهم وأموالهم. ومن كان كذلك عرف الناس هذا منه، وأمنوه على دمائهم وأموالهم. ووثقوا به، لما يعلمون منه من مراعاة الأمانات، فإن رعاية الأمانة من أخص واجبات الإيمان، كما قال صلّى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا أمانة له"١.

وفسر صلّى الله عليه وسلم الهجرة التي هي فرض عين على كل مسلم بأنها هجرة الذنوب والمعاصي. وهذا الفرض لا يسقط عن كل مكلف في كل حال من أحواله؛ فإن الله حرم على عباده انتهاك المحرمات، والإقدام على المعاصي. والهجرة الخاصة التي هي الانتقال من بلد الكفر أو البدع إلى بلد الإسلام، والسنة جزء من هذه الهجرة، وليست واجبة على كل أحد، وإنما تجب بوجود أسبابها المعروفة.

وفسر المجاهد بأنه الذي جاهد نفسه على طاعة الله؛ فإن النفس مَيَّالة إلى الكسل عن الخيرات، أمارة بالسوء، سريعة التأثر عند المصائب، وتحتاج إلى صبر وجهاد في إلزامها طاعة الله، وثباتها عليها، ومجاهدتها عن معاصي الله، وردعها عنها، وجهادها على الصبر عند المصائب. وهذه هي الطاعات: امتثال المأمور، واجتناب المحظور، والصبر على المقدور.

فالمجاهد حقيقة: من جاهدها على هذه الأمور؛ لتقوم بواجبها ووظيفتها.

ومن أشرف هذا النوع وأجلِّه: مجاهدتُها على قتلا الأعداء، ومجاهدتهم بالقول والفعل؛ فإن الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الدين.

فهذا الحديث من قام بما دلّ عليه فقد قام بالدين كله: "من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأمنه الناس على دمائهم وأموالهم، وهجر ما نهى الله عنه، وجاهد نفسه على طاعة الله"، فإنه لم يبق من الخير الديني والدنيوي الظاهري والباطني شيئاً إلا فعله، ولا من الشر شيئاً إلا فعله، ولا من الشر شيئاً إلا تركه. والله الموفق وحده.


(١) أخرجه: أحمد ٣/١٣٥, ١٥٤, ٢١٠, ٢٥١, وابن حبان رقم: ٤٧ - الإحسان, وغيرهما. وصحّحه شيخنا الألباني في "الإيمان" رقم: ٧, لابن أبي شيبة, و"المشكاة" رقم: ٣٥. وانظر: "صحيح الترغيب" رقم: ٣٠٠٤, وقد أطلت النفس في تخريجه في تخريجي لأحاديث "روح العارفين" رقم: ٣٣ للخليفة الناصر, فلينظره من أراد التوسّع. والحمد لله ربّ العالمين.

<<  <   >  >>