فمتى دبر أحواله الدينية بهذا الميزان الشرعي، فقد كمل دينه وعقله. لأن المطلوب من العقل، أو يوصل صاحبه إلى العواقب الحميدة، من أقرب طريق وأيسره.
وأما تدبير المعاش: فإن العاقل يسعى في طلب الرزق بما يتضح له أنه أنفع له وأجدى عليه في حصول مقصوده. ولا يتخبط في الأسباب خبط عشواء، لا يقر له قرار، بل إذا رأى سبباً فتح له به باب رزق فليلزمه وليثابر عليه، وليُجْمل في الطلب. ففي هذا بركة مجربة.
ثم يدبر تدبيراً آخر. وهو التدبير في التصريف والإنفاق، فلا ينفق في طرق محرمة، أو طرق غير نافعة، أو يسرف في النفقات المباحة، أو يُقَتَِر. وميزان ذلك: قوله تعالى في مدح الأخيار {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[الفرقان:٦٧] . فحُسن التدبير في كسب الأرزاق، وحسن التدبير في الإنفاق، والتصريف، والحفظ، وتوابع ذلك: دليل على كمال عقل الإنسان ورزانته ورشده.
وضد ذلك: دليل على نقصان عقله، وفساد لُبِّه.
الجملة الثانية: قوله صلّى الله عليه وسلم "لا وَرعَ كَالكَفّ".
فهذا حدٌّ جامع للورع. بيّن به رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الورع الحقيقي هو الذي يكفُّ نفسه، وقلبه ولسانه، وجميع جوارحه عن الأمور المحرمة الضارة. فكل ما قاله أهل العلم في تفسير الورع، فإنه يرجع إلى هذا التفسير الواضح الجامع.
فمن حفظ قلبه عن الشكوك والشبهات، وعن الشهوات المحرمة والغِلُّ والحقد، وعن سائر مساوئ الأخلاق وحفظ لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب والشتم، وعن كل إثم وأذى، وكلام محرم، وحفظ فرجه وبصره عن الحرام، وحفظ بطنه عن أكل الحرام، وجوارحه عن كسب الآثام فهذا هو الورع حقيقة.
ومن ضيع شيئاً من ذلك نقص من ورعه بقدر ذلك، ولهذا قال شيخ الإسلام:"الورع ترك ما يخشى ضرره في الآخرة".
الجملة الثالثة: قوله صلّى الله عليه وسلم: "ولا حَسَبَ كَحُسنِ الخُلُق".