للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عدم المبالاة بهم، وعدم الرقة عليهم، فمن الجفاء والغلظة والقسوة، كما قال بعض جُفاة الأعراب حين رأى النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه يقبلون أولادهم الصغار، فقال ذلك الأعرابي: إنّ لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: "أو أملك لك شيئاً أن نزع الله من قلبك الرحمة؟ "١.

ومن الرحمة: رحمة المرأة البغي حين سقت الكلب، الذي كان يأكل الثرى من العطش٢. فغفر الله لها بسبب تلك الرحمة.

وضدها: تعذيب المرأة التي ربطت الهرة٣، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت.

ومن ذلك ما هو مشاهد مجرب، أن من أحسن إلى بهائمه بالإطعام والسقي والملاحظة النافعة، أن الله يبارك له فيها. ومن أساء إليها: عوقب في الدنيا قبل الآخرة، وقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:٣٢] , وذلك لما في قلب الأول من القسوة والغلظة والشر، وما في قلب الآخر من الرحمة والرقة والرأفة؛ إذ هو بصدد إحياء كل من له قدرة على إحيائه من الناس، كما أن ما في قلب الأول من القسوة، مستعد لقتل النفوس كلها.

فنسأل الله أن يجعل في قلوبنا رحمة توجب لنا سلوك كل باب من أبواب رحمة الله، ونحنوا بها على جميع خلق الله، وأن يجعلها موصلة لنا إلى رحمته وكرامته، إنه جواد كريم.


(١) أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: ٥٩٩٨, ومسلم في "صحيحه" رقم: ٢٣١٧.
(٢) مضى تخريجه تحت الحديث الحادي والستون ص١٤٢.
(٣) أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: ٢٣٦٥, ومسلم في "صحيحه" رقم: ٢٢٤٢.

<<  <   >  >>