لم تصل الإنسانية إلى إيجاد المدرسة على شكل الذي نراه اليوم إلا بعد أن مرت بمراحل طويلة، وتجارب عديدة.
فقد كان الطفل في الحياة البدائية يتعلم من أبويه، ومجتمعه كل شيء بأسلوب غير مقصود وغير منظم، تارة عن طريق التقليد، وتارة عن طريق التأمل والمحاكاة المقصودة، والتكرار والإعادة بقصد الإتقان.
بيد أنه كان للدين الفضل الأول في إيجاد تربية هادفة مقصودة، وذلك حين أوجد الدين الركنين الأساسيين لعملية التربية المقصودة، وهما: الهدف الواضح المحدود، وهو عبادة الله وحده، والتعريف به، والإيمان به، في جميع الأديان السماوية، والمنهج أو المادة الفكرية، والسلوكية المعينة المقصودة، وهو الاستسلام لتشريع الله، وأوامره التي أنزلها على رسله، ليحفظها الجيل ويعمل بمقتضاها، ثم ينقلها إلى الجيل الذي بعده، دواليك.
وتتابعت الأجيال، تتناقل شريعة الله وأوامره، وأسلوب عبادته، بالحفظ والتعلم، والتقليد والاتباع، فردا عن فرد، وجمعا عن فرد، وجمعا عن جمع، في الساحات والمواسم والصوامع، والبيع والمساجد، ولم تكن الكتابة قد انتشرت في أول الأمر، فكان التعليم مقصورًا على المشافهة، والمناقشة والمحاكاة والاتباع، والممارسة العملية والتجريب.
ولم يكن التعليم مقصورًا على الصغار، بل كان الصغار والكبار يتلقون التعاليم الدينية من رسل الله وأتباعهم، ويلقنونها؛ لأبنائهم ومن يليهم؛ فكان نشر الدين فريضة دينية وضرورة اجتماعية؛ لأن المجتمع المؤمن الموحد مهاجم، وأهل الحق قلة في أكثر العصور:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[يوسف: ١٢/ ١٠٣] ، فإذا لم يدافعوا عن أنفسهم بالدعووة إلى عبادة الله وحده، وبيان الحق والبرهان عليه، غلبوا وغزوا في عقر دارهم، واتهموا في صميم عقيدتهم وأفكارهم، ولم يخصص لتعليم أماكن خاصة، إلا إذا اعتبرنا المعابد دورا للتعليم، فكان التعليم