تعتبر المدرسة بحق أداة مكملة؛ لأن تربية الناشئ تبدأ في أحضان أبويه، يلقنانه مبادئ اللغة، ومفاهيم الحياة الاجتماعية، وأساليب التعايش مع البيئة، والتفاعل مع ظروف الحياة، ويغرسان في قلبه مبادئ الإيمان الصحيح.
لذلك لا بد من إقامة تعاون صريح بين المنزل والمدرسة، وأن تخصص المدرسة جهازا لتنسيق الاتصال بالأولياء: آباء الطلاب وأمهات الطالبات، ومعرفة هواتفهم ومناطق سكنهم وأماكن عملهم، ومعرفة ما يمكن معرفته من الظروف التي يربى فيها الناشئون في منازلهم، وأساليب تربيتهم هناك، لتصحيح الخاطئ منها وإكمال الصالح، والتعاون مع الأولياء على إصلاح الناشئين، وحسن تربيتهم ليكمل كل من المنزل، والمدرسة ما بدأ به الآخر، من غرس الإيمان الصحيح والسلوك القويم، ويقوم ما يعرض من انحرافات، ومشكلات في حياة الناشئ، ولئلا يحدث تعارض وتناقض، بين أسلوب المنزل التربوي، وأسلوب المدرسة، فيقع الأطفال، والناشئون ضحية هذا التعارض.
وهذه الوظيفة التربوية للمدرسة، إنما تتحق على الوجه الأكمل حينما تتبنى مبدأ "التواصي بالحق"، وهو من أهم مبادئ التربية الإسلامية الاجتماعية، فتتعاون المدرسة مع المسجد والمنزل والمجتمع، ويكون هدف الجميع تحقيق العبودية لله، وتطبيق شريعته، وتحقيق العزة، والكرامة للأمة الإسلامية وأجيالها، والنصح لأولياء الأمور القائمين على الإذاعة، والصحافة والرائي، وهي من أهم الوسائل المؤثرة في تربية الجيل بأسلوب غير مباشر.
مزالق المدرسة الحديثة، وعلاجها:
على الرغم من العبء الكبير الذي تحملته المدرسة اليوم في تربية الأجيال، فقد وقعت في مزالق رهيبة، كادت معها أن تؤدي بالأمة الإسلامية، وتسلم أجيالها إلى الخذلان والاستسلام، والإباحية والإلحاد في كثير من الأقطار العربية والإسلامية.
ومن أهم هذه المزالق:
*- الانعزالية:
كانت الكتاتيب، وحلقات المساجد من الشعب لتربية الشعب المسلم، وكانت على صلة دائمة بالشعب، فلم تكون طبقة مهنية معزولة عن الشعب، بل بقيت تعالج دائما مشكلات المجتمع الإسلامي، وكان طلاب العلم المخلصون، نقادا لأخطاء الحكام والتجار، والأمراء وأصحاب المهن، ينصحونهم ولا يبالون في الله
لومة لائم، وكانوا يشاركون الشعب أفراحه وآلامه وحروبه، كما فعل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، وطلابه عند حروف الفرق الباطنية التي كانت تطعن الأمة في
١ انظر أثر الشريعة في تربية الخلق، من الفصل الثالث "أسس التربية الإسلامية" من هذا الكتاب.