للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أولا: نظرة الإسلام إلى الإنسان]

من الثابت في علم النفس أن نظرة الإنسان إلى نفسه من أقوى المؤثرات في تربيته، لذلك قدمت هذه النظرة القرآنية إلى الإنسان.

تمهيد:

ما زال الإنسان منذ وجد على وجه الكرة الأرضية، مأخوذًا بسوء الفهم لنفسه يميل إلى جانب الإفراط حينا، فيرى أنه أكبر وأعظم كائن في العالم، وينادي بذلك وقد امتلأ أنانية، وغطرسة وكبرياء، كما نادى قوم عاد: {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: ٤١/ ١٥] ، وكما نادى فرعون في قومه: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: ٢٨/ ٣٨] .

ويربأ بنفسه أن يعتقد أنه مسئول أمام أحد، ويتحول إلى متأله يستهدف القهر، والجبروت والبطش، والظلم والشر والطغيان١.

ويميل إلى جانب التفريط حينا آخر، فيظن أنه أدنى وأرذل كائن في العالم، فيطاطئ رأسه أمام كل شجر أو حجر، أو نهر أو جبل أو حيوان، ولا يرى السلامة إلا في أن يسجد للشمس، والقمر والنجوم والنار، وما إليها من الموجودات التي يرى فيها شيئا من القوة، أو القدرة على ضرره أو نفعه.

وقد عرض الإسلام الإنسان على حقيقته وبين أصله، ومميزاته وما فضل به، ومهمته في الحياة وعلاقته بالكون، وقابلتيه للخير والشر.

١- حقيقة الإنسان وأصل خلقه:

ترجع حقيقة الإنسان إلى أصلين: الأصل البعيد، وهو الخلقة الأولى، من طين، حين سواه الله ونفخ فيه من روحه، والأصل الثاني: القريب، وهو خلقه من نطفة، ولإيضاح هذين الأصلين معا قال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة: ٣٢/ ٧-٩] .


١ الحضارة الإسلامية: أسسها ومبادئها، أبو الأعلى المودودي، دار العربية للطباعة -بيروت ص١١.

<<  <   >  >>