للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثالثا: التربية بضرب الأمثال]

أ- معنى الأمثال:

قال السيد رشيد رضا في "تفسير القرآن الحكيم، الذي اشتهر بتفسير المنار"١ في معنى قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: ٢/ ١٧] .

"المثل بفتحتين، والمثل بالكسر، والمثل كالشبه والشبه والشبيه وزنا، ومعنى في الجملة، وهو من "مثل الشيء مثولا" إذا انتصب بارزا فهو مائل، ومثل الشيء بالتحريك، صفته التي توضحه وتكشف عن حقيقته، أو ما يراد بيانه من نعته وأحواله، وقد يكون تمثيل الشيء، أو وصفه والكشف عن حقيقته عن طريق المجاز، أو الحقيقة، بتشبيهه، وأبلغه تمثيل المعاني المعقولة بالصورة الحسية، وعكسه ومنه الأمثال المضروبة"٢.

ثم قال في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: ٢/ ٢٦] ما مؤداه٣: "وضرب المثل عبارة عن إيقاعه وبيانه، وهو في الكلام أن يذكر "لإيضاح حال من الأحوال" ما يناسبها، ويشابهما ويظهر من حسنها أو قبحها ما كان خفيا، واختبر له لفظ "الضرب"؛ لأنه يأتي عند إرادة التأثير وهيج الانفعال، كأن ضارب المثل يقرع به أذن السامع قرعا ينقذ أثره إلى قلبه، وينتهي إلى أعماق نفسه، ولكن في الكلام قلبا حيث جعل المثل هو المضروب، وإنما هو مضروب به"، ثم قال السيد رشيد رضا: هذا ما قاله الأستاذ "يعني الشيخ محمد عبده"، ثم عقب عليه بقوله:

"وإذا كان الغرض التأثير، فالبلاغة تقتضي أن تضرب الأمثال لما يراد تحقيره والتنفير عنه، بحال الأشياء التي جرى العرف بتحقيرها، واعتادت النفوس النفور منها".

فيشبه ما يراد تحقيره بالأشياء التي عرفت حقارتها كتشبيه معبودات المشركين، وأوليائهم ببيت العنكبوت في قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: ٢٩/ ٤١] ، ومثل هذا لا يخفى على بليغ، ولا على عاقل أيضا ولكن بعض اليهود، والمنافقين والمشركين لم يروا في القرآن شيئا يعاب، فتمحلوا بنحو قوله: إنه لا يليق بالله ضرب هذه الأمثال "كالذباب والعنكبوت"، وقول بعضهم: ما هذا


١ لأنه نشر أول ما نشر في مجلة المنار المصرية التي أنشأها السيد محمد رشيد رضا.
٢ تفسير القرآن الحكيم" ١/ ١٦٧، ط مطبعة المنار ١٣٤٦هـ.
٣ المصدر ذاته: ١/ ٢٢٦.

<<  <   >  >>