مختلفين، بعد تخرجهم إلى معترك الحياة، لا تجمعهم راية واحدة ولا يستهويهم هدف واحد، بل تفرقهم المصالح والشهوات والأنانيات.
ذلك أن الصهر والتجانس الحقيقي لا يتحقق على المدى البعيد، إلا إذا اجتمعت القلوب والعواطف، والأفكار على أسس نفسية عميقة تصلح لتكوين تصورات اجتماعية مشتركة، كما يسميها علماء الاجتماع، على أن تنبع من أعماق النفس عفوا من غير تكلف، ولا قسر اجتماعي.
وهذه الأسس يجب أن تبنى على الإيمان الصحيح، الإيمان بحقائق سليمة، مسايرة للفطرة الإنسانية والعقل السليم، توحد نظرة الإنسان إلى أخيه الإنسان، وإلى الكون وإلى الحياة، وإلى القيم الإنسانية، وذلك بتوحيد خضوعهم إلى خالق الكون وموجد الموت، والحياة ومكرم الإنسان، وإلى تشريعه وأوامره.
ولو تأملت معنى هذه الصفات لما وجدتها تنطبق إلا على "أسس التربية الإسلامية"، كما أوردناها في فصل سابق، ولعرفت مغزى قوله تعالى:{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}[الأنفال: ٨/ ٦٣] ، فالتوحيد الذي دعا إليه القرآن، وأثر في نفوس العرب هو الذي صهرهم وألف بينهم.
فالصهر والتجانس بين المواطنين لا يحصل إلا إذا ألف الإيمان الصحيح بين قلوبهم، وحينئذ تذوب جميع الفوارق، وتنمحي كل الاعتبارات المفرقة، ويتنازل الجميع من تلقاء أنفسهم عن كل الحزازات والضغائن، وأسباب الحسد أو التباعد، سعيا وراء مرضاة الله، وحبا لله وشكرًا له على نعمة الإيمان، والسعادة النفسية والاطمئنان.
فالمدرسة لا تصهر المواطنين، ولا تحقق التجانس المطلوب بينهم إلا إذا بنيت على أسس التربية الإسلامية، وحققت أهدافها.
أما المدارس القائمة على مبادئ "المواطنة الصالحة" في أمم الغرب، فإنها تصلح أداة لغرس خلق التواطؤ الاستعماري، وطغيان الشعوب القوية على الشعوب الضعيفة؛ لأنه ليس لديها مقياس حقيقي للمواطن الصالح إلا مسايرة قومه على الخير أو الشر، وعلى تحقيق الشهوات والمصالح الدنيوية، والقهر والجبروت، والتسلط والبغي.
بغير حق، كما راينا في بحثنا لأهداف التربية عندما عالجنا موضوع "الإسلام والمواطنة الصالحة".