وفي هذا ما فيه من تناقض المشركين، إذ ينسبون إلى خالقهم المنعم المتفضل عليهم، ما يكرهونه لأنفسهم.
ثم يبين الله لهم معيارهم في التفكير، ومبلغهم من العلم، وأنه ميعار خاطئ فارغ لا يغني ولا ينتج شيئا، إنه معيار الظن والهوى.
{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم: ٥٣/ ٢٣] ، فكيف انصرفوا عما جاءهم من ربهم من الهدى؟ وما ظنهم بالمستقبل في الدنيا والآخرة؟ إن هي إلا آمالهم الكاذبة، وما من إنسان يكون له كل ما يتمنى في الحياة وبعد الممات، لذلك يسأل الله سبحانه، ويستمر أسلوب الحوار الاستفهامي الجدلي التهكمي في قوله تعالى:{أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى، فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى}[النجم: ٥٣/ ٢٤-٢٥] .
نتائج تربوية:
يشترك الحوار الجدلي مع سابقيه بأمور تربوية، ويمتاز بأمور أخرى أهمها:
*- يربي الحوار الجدلي الحماسة للحق، وتحري الصواب والرغبة في الحجة الدامغة، وهذا من العواطف الربانية التي يجب الحرص عليها على تنميتها عند الناشئين.
*- كما يربي، عن طريق الإيحاء، كراهية الباطل والأفكار الشركية والإلحادية، وتفاهة هذه الأفكار وبطلانها.
*- كذلك يربي العقل على التفكير السليم، والوصول إلى الحقائق بأسلوب صحيح
أ- كالحصر أو ما يسمونه بـ" الثالث المرفوع"، فإذا كان هناك قضية لها ثلاثة حلول لا رابع لها، وأسقطنا حلين، تعين أن يكون الثالث هو الصواب الذي نرفعه ونقيم له وزنا، كقوله تعالى في تقرير خلق الإنسان:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور: ٥٢/ ٣٥] ، فإذا كان مما يستحيل عقلا أن يخلقوا من غير خالق كما يستحيل واقعا، وعقلا أن يخلقوا أنفسهم، إذن لا بد لهم من خالق، ويسري هذا المبدأ