للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ج- وراعى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم بشر وليسوا ملائكة، وأرادهم أن يدافعوا عن أنفسهم بشيء من القول، فلما استحيوا منه، دافع عنهم بالنيابة عن أنفسهم، لئلا يترك في نفوسهم شيئا من الواجد، فقال: $"أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم: أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك.."، وهكذا نجد أن على المربي في المواقف الحرجة، ألا يصدر حكمه قبل أن يسمع من الذين يربيهم، أو يريد أن يحاكمهم، في هفوة ارتكبوها.

*- الحوار النبوي الإقناعي:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاور في سبيل الإقناع وإقامة الحجة، فقد أراد شخص أن يدخل في الإسلام، فاستأذن رسول الله أن يبيح له الزنا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه١:

"ألك أم؟ " قال: نعم، "ألك أخت؟ " قال: نعم، ثم قال: "أتريد أن يزنى بأمك؟ " قال: لا"، وهنا أقلع الرجل وتاب عن هذا الخلق الدنيء، وتم إقناعه بترك الزنى عن طريق هذا الحوار النبوي، الذي يتضمن قياس معاملة الغير على معاملة النفس، وأن يترك الإنسان أذى الآخرين، ما دام لا يريد أن يؤذيه الآخرون.

وكذلك محاورته مع عدي بن حاتم:

قال الإمام الرازي في تفسيره٢: نقل أن عدي بن حاتم كان نصرانيا، فانتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ سورة براءة، فوصل إلى هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: ٩/ ٣١] ، قال، فقلت: لسنا نعبدهم، فقال: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟ " قلت: بلى، قال: "فتلك عبادتهم".

وروى الإمام أحمد والترمذي، وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم.. فذكر خبر فراره إلى الشام، وأسر أخته وإسلامها وترغيبها إياه بالإسلام، وقدومه إلى المدينة، وسماعه سورة "براءة" من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتراضه على آية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ


١ شعب الإيمان للإمام البيهقي.
٢ كما نقله عنه صاحب تفسير المنار ١٠/ ٣٦٦، ط مطبعة المنار بمصر ١٣٤٩هـ-١٩٣١م.

<<  <   >  >>