للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ترك الطفل يقلد أبويه بحركات الصلاة قبل أن يبلغ سبع سنين، ولكن لا يؤمر بكل أذكارها.

وعلى العموم يجب أن نحسب حسابا لاستعداد الطفل، وطاقاته عندما نطلب منه تقليد أحد أو الاقتداء به.

ومن الظروف التي تهب الناس عموما استعدادا للتقليد، والأزمات والآلام الاجتماعية والكوارث، هناك يخرج المجتمع مهيض الجناح، فيفتقد القائد القدوة ليجد فيه أبا عطوفا، وبطلا منقذا يحاكيه الناس في كل سلوك من حياته النفسية والاجتماعية، وفي آرائه وأفكاره ومن تلك الأسباب: الشعور بالضعف أمام القوة، فالمغلوب يقلد غالبه بعد أن يستكين ويخضع لحكمه، والمرءوس يقلد رئيسه والطفل يقلد أباه، وقد نبه ابن خلدون على هذا المبدأ في مقدمته، وذكر أدلة ووقائع تاريخية على ذلك، بيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من مغبة هذا التقليد إذا كان بغير هدف، وكانه انكشف له حجب الغيب، فتوقع الضعف الذي سينزل بهذه الأمة، فقال: "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا وذراعا بذراع..".

العنصر الثالث من عناصر التقليد: الهدف.

لكل تقليد هدف قد يكون معروفا لدى المقلد وقد لا يكون، والهدف الحيوي "الغامض"١ الأول من غريزة التقليد، والانقياد لدى الأطفال، والجماعات هو غرض دفاعي، إنه الدفاع عن الكيان الفردي وكأنه انضواء في ظل الشخص القوي المرموق، يقلده شخص أضعف منه، لعله يستمد من هذا التقليد قوة وبأسا، من جنس قوة الشخص الذي حاز إعجابه فراح يحاكيه في كل شيء.

فإذا ارتقى الوعي عند المقلد، عرف الهدف من التقليد، فأصبح هذا التقليد عملية فكرية، يمزج فيها بين الوعي والانتماء، والمحاكاة والاعتزاز، ويصبح لهذا بصيرة أي معرفة بالغاية والأسلوب، وفي هذا المعنى يقول اله تبارك وتعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: ١٢/ ١٠٨] .


١ أي الذي قد لا يشعر به الطفل أو الحيوان.

<<  <   >  >>