الأفكار أي على تأسس قوية رصينة، يجوز الاعتماد عليها، والاطمئنان إلى أن الأعمال لن تصدر عنه إلا متفقة معها بكل معنى الكلمة، فالإيمان الصحيح أساس متين لتربية ثابتة مضمونة النتائج، وبهذا يكون للإنسان المؤمن سيرة معلومة، ويكون في حياته النظام، والأحكام والترتيب والانسجام، ونستطيع أن نقول بكل جزم أنه سيعمل العمل الفلاني في الوقت الفلاني، ولذلك كانت التربية المبنية على الإيمان أفضل من التربية المبنية على عدم الإيمان، ذلك؛ لأن غير المؤمن لا سيرة له في حياته، إذ أن له أن يظهر بمظهر الشيطان متى شاء، أو بمظهر الملك متى أحب، ولا يستبعد عنه في أي وقت من أوقاته أي لون من ألوان الأعمال والأفعال، ما دام لا يلتزم فكرة معينة، ولم تستقر في قلبه عقيدة من العقائد.
٣- غير أن الإيمان لا يكون لدى جميع الناس مصدر خير، فربما بني الإيمان في بعض الأديان كالوثنية على الخرافات والأساطير، لذلك لا بد من ضابط لكل عناصر الإيمان، وتصورات المؤمن وأفكاره، أي لا بد أن يكون كل ما يؤمن به حقا وصحيحا.
والقرآن عندما يدعو إلى الإيمان يمعتقدات معينة، يلجأ إلى العقل، فيرشده إلى ما يجب أن يؤمن به، أي أنه يبرهن بأسلوب عقلي حسي، على صحة هذا المعتقد، فيبدأ أولا بالبرهان على عظمة الله، ثم يتفرع عن ذلك باقي العقائد.
فالعناصر الإيمانية الصحيحة هي التي تعتمد على برهان عقلي صحيح، وتقبلها الفطرة السليمة، وينتج عنها توحيد وتناسق بين جميع جوانب الشخصية الإنسانية، وبين جميع عناصر المجتمع الإنساني، وبين جميع ظروف الحياة، ومتطلباتها الاقتصادية والحضارية، والعلمية والسياسية والحيوية.
٤- وكما أن سيرة الفرد وحياته تنتظم وتستقيم، إذا كانت صادرة عن إيمان صحيح، كذلك فإن مجموعة الأفراد، عندما يخضعون علاقاتهم فيما بينهم وسلوكهم، وسيرتهم إلى الإيمان بفكرة مشتركة بينهم، مشتملة على أمور روحية، ربانية، صحيحة، فإنهم يؤلفون أمة ذات حضارة متجانسة متجاوبة مع عقيدتها ودينها، وتكون العقيدة المشتركة في الوقت ذاته في الموجه لحياة الأفراد الشخصية، فيحصل تناسق بين حضارة الأمة ونظمها الاجتماعية، وبين سيرة أفرادها وفي هذا كمال الحياة النفسية الصحيحة، والتجاوب الاجتماعي السليم، فيصبح المجتمع المؤمن كالبنان يشد بعضه بعضا، ويصبح المؤمنون كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهكذا تكون التربية
الاجتماعية المرتكزة على الإيمان هي التي تنتج مجتمعا قويا حضاريا مستقيما