ولا يحتاج إثبات الجريمة عمدا في هذه الحالة إلى البحث عن نية القاتل، هل قصد القتل أم لم يقصده؟ لأن قصد الضرب بآلة كهذه يكون دليلا واضحا وظاهرا على قصد القتل، ومثل هذا الدليل يغنينا عن البحث عن نيته؛ لأنها أمر باطني يصعب الوصول إليه، وإذا كان كذلك كانت القرينة الظاهرة والواضحة -وهي استعمال آلة تقتل قطعا أو غالبا- كافية في إثبات القتل عمدا.
وهذا يقربنا من القول بأن الفقه الإسلامي يرى أنه ما دامت النتيجة "وهي القتل" غالبة الوقوع بقرينة استعمال الآلة التي تقتل غالبا، فحينئذ يكون الجاني قاتلا عمدا، ولا يقبل منه الاعتذار بأنه لم يكن يريد القتل أولم يكن يتوقعه؛ لأنه يكون من واجبه حينئذ أن يتوقع هذه النتيجة، فإذا قصر في ذلك، فلا يمنع تقصيره من تحمله النتيجة التي وقعت كما لو كان قد أرادها فعلا.
وهذا ما فسر به شراح القانون نظرية القصد الاحتمالي.
وهذا الرأي وإن كان لا يشترط مع وجود الآلة القاتلة عادة التعرف على وجود قصد القتل، وإنما يكتفى بوجود قصد الضرر بالمجني عليه، فإنه بذلك يضع حدا للجرائم التي ترتكب بمثل هذه الآلات؛ لأنها لا يقصد بها عادة غير إيقاع الموت بالشخص، ومن هنا اكتفى الفقهاء بالنظر إلى حقيقة الآلة المستعملة في القتل دون التصريح باشتراط القتل؛ إذ إن نوع الآلة المستخدمة كشف عن قصده وإرادته.
والقول بهذا ليس تسرعا في سفك دم آخر، ولكنه حماية لأرواح كثيرة قد تزهق بمثل هذه الآلات مع ادعاء عدم قصد القتل، وصدق الله تعالى إذ يقول:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} فإن الحياة ستكتب لكثيرين