للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشيء المضر والنافع حتى يجلب هذا ويهرب هذا ... فخلق الله الهداية والمعرفة وجعل لها أسبابا، وهي الحواس الظاهرة والباطنة.

فلو أبصر الإنسان الغذاء، وعرف أنه موافق له، فلا يكفيه ذلك للتناول ما لم يكن فيه ميل ورغبة فيه، وشهوة له، باعثة عليه؛ إذ المريض يرى الغذاء ويعلم أنه موافق، ولا يمكنه التناول لعدم الرغبة والميل، ولفقد المداعية المحركة إليه فخلق الله تعالى الميل والرغبة والإرادة -وأعني به نزوعا في نفسه إليه وتوجها في قلبه إليه- ثم ذلك لا يكفيه، فكم من مشاهد طعاما راغب فيه مريد تناوله عاجز عنه لكونه زمنا عاجزا، فخلقت له القدرة والأعضاء المتحركة حتى يتم به التناول، لا يتحرك إلا بالقدرة، والقدرة تنتظر الداعية الباعثة، والداعية تنتظر العلم والمعرفة، أو الظن والاعتقاد، وهو أن يقوي في نفسه كون الشيء موافقا له، فإذا جزمت المعرفة بأن الشيء موافق ولا بد وأن يفعل، وسلمت عن معارضة باعث آخر صارف عنه انبعثت الإرادة وتحقق الميل، فإذا انبعثت الإرادة وانتهضت القدرة لتحريك الأعضاء، فالقدرة خادمة الإرادة، والإرادة تابعة لحكم الاعتقاد والمعرفة.

فالنية عبارة عن الصفة المتوسطة، وهي الإرادة وانبعاث النفس بحكم الرغبة والميل إلى ما هو موافق للغرض، إما في الحال وإما في المال.

فالمحرك الأول هو الغرض المطلوب، وهو الباعث، والغرض الباعث هو المقصد المنوي، والانبعاث هو القصد والنية، وانتهاض القدرة لخدمة الإرادة بتحريك الأعضاء هو العمل، أو بعبارة أخرى: الباعث هو الغرض المطلوب تحقيقه أو المقصد المنوي، والانبعاث هو القصد والنية بعد جزم المعرفة بأن الشيء موافق ولا بد وأن يفعل، والعمل وهو انتهاض القدرة لخدمة الإرادة بتحريك الأعضاء، والعمل يقترن به الحساب.

<<  <   >  >>