إن الأعمال وإن انقسمت أقساما كثيرة من فعل وقول وحركة وسكون وجلب ودفع وفكر وذكر، وغير ذلك مما لا يتصور إحصاؤه واستقصاؤه، فهي ثلاثة أقسام: طاعات ومعاص ومباحات؛ أما القسم الأول وهو المعاصي: وهي لا تتغير عن موضعها بالنية، فلا ينبغي أن يفهم الجاهل ذلك من عموم قوله عليه السلام:"إنما الأعمال بالنيات"، فيظن أن المعصية تنقلب طاعة بالنية كالذي يغتاب إنسانا مراعاة لقلب غيره، أو يطعم فقيرا من مال غيره، أو يبني مدرسة أو مسجدا أو رباطا بمال حرام وقصده الخير فهذا كله جهل، والنية لا تؤثر في إخراجه عن كونه ظلما وعدوانا ومعصية؛ بل قصده الخير بالشر على خلاف مقتضى الشرع شر آخر، فإن عرفه فهو معاند للشرع، وإن جهله فهو عاص بجهله؛ إذ "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، والخيرات إنما يعرف كونها خيرات بالشرع، فيكف يمكن أن يكون الشر خيرا!! هيهات!!
القسم الثاني: الطاعات، وهي مرتبطة بالنيات في أصل صحتها، وفي تضاعف فضلها، أما الأصل فهي أن ينوي بها طاعة الله لا غير، فإن نوى الرياء صارت معصية، وأما تضاعف الفضل فبكثرة النيات الحسنة، فإن الطاعة الواحدة يمكن أن ينوي بها خيرات كثيرة، فيكون له بكل نية ثواب.
القسم الثالث: المباحات وما من شيء من المباحات إلا ويحتمل نية أو نيات يصير بها من محاسن القربات.. هذا في مباح محض لا يشوبه كراهة؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"حلالها حساب وحرامها عقاب"١