للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأسس العامة التي تقوم عليها العقوبة:

أولا: تطبيق الحدود الشرعية يحقق مصالح الناس:

تبين لنا مما سبق أن الحدود إنما شرعت لتصون للناس وتحفظ عليهم دينهم ونفوسهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم؛ أي: لتحفظ عليهم مقومات حياتهم، ودعائم إنسانيتهم، والركائز الأساسية لتحقيق أمنهم، واستقرار مسيرة حياتهم، وتهيئة الجو الملائم لأعمال فكرهم، وإزكاء عوامل التقدم والتطور بين أفرادهم وجماعاتهم، وكل ذلك إنما يتحقق بإبعاد شبح الجريمة والمجرمين عنهم.

فإن البشرية بطبائعها وغرائزها وشهواتها وانفاعلاتها وعواطفها -مائلة إلى قضاء الشهوة واقتناص الملذات، وتحصيل مقصودها، وكل محبب لديها من ال شرب، والزنا، والتشفي بالقتل، وأخذ مال الغير، والاستطالة على الآخرين بالسب والشتم والضرب، وبخاصة من القوي على الضعيف، ومن العالي على من دونه، فاقتضت الحكمة شرع هذه العقوبات حسما لمادة الفساد، وزجرا عن ارتكابه؛ ليبقى العالم على نظم الاستقامة، وعلى المنهج السوي؛ لأن إخلاء العالم عن إقامة الزواجر يؤدي إلى انحرافه واختلاله، وفيه من الفساد ما لا يخفى على عاقل مدرك.

وكان من الضروري أن يكون شرع هذه العقوبات من الخالق جل شأنه؛ لأنه العالم بمن خلق، الخبير لما يكتنف مخلوقه من صفات، وما يؤثر فيه من عوامل متعددة، المحيط بما يؤثر تأثيرا فعالا في مخلوقه، فيبعده عن ارتكاب ما لا يحل، واقتراف ما لا يرضى.

وإذا كانت هذه التشريعات صادرة من العليم الخبير، كانت علاجا حاسما وداء شافيا لكل نفس مريضة.

ومع ذلك فقد نبه المشرع الحكيم إلى حكمة تشريع هذه العقوبات

<<  <   >  >>