للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المفسدين طبقا للظروف المحيطة بهم في كل عصر وفي كل مكان، قتلا كانت أم صلبا، أم قطعا، أم حبسا، فقد تكون عقوبة ما تناسب مجرما في وقت معين أو مكان محدد، ولا تناسب مجرما آخر في وقت آخر أو مكان آخر؛ إذ إن الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية لها أثر بالغ في تكييف العقوبة وتحديدها؛ بحيث تحدث الأثر المقصود من شرعية العقوبة، وهو ردع المجرمين وزجر الآخرين عن ارتكاب مثل هذا العمل؛ لكي يسود الأمن، وتطمئن النفوس، كما أن عقوبة ما قد تناسب جرما ما في زمان معين أو مكان معين، ولا تناسب نفس الجرم في زمان آخر أو مكان آخر، فجعل ذلك في يد الإمام مقيدا بالمصلحة يفتح الباب لتكييف الجرم وعقوبته في كل زمان ومكان في حدود ما نصت عليه الآية الكريمة بما يحقق الحكمة من شرعية العقوبة.

ثانيا: معنى النفي من الأرض:

بينت آية المحاربة أن إحدى العقوبات التي توقع على المحاربين هي النفي من الأرض، ولقد اختلف الفقهاء في تفسيره، فيروى عن ابن عباس والحسن والزهري: أن النفي هو تشريدهم عن الأمصار والبلدان، فلا يتركون يأوون بلدا١، ويروى عن ابن عباس أيضا: أنه ينفى من بلده إلى بلد آخر كنفي الزاني، وقال مالك: ينفى من البلد الذي ارتكب في جنايته إلى بلد آخر، يحبس فيه كالزاني، وقال الحنفية٢ وهو رواية عن إبراهيم


١ أما الإمامية فقد قالوا: ينفى عن بلده إلى غيرها، ويكتب لكل بلد يصل إليه بالمنع من مجالسته ومؤاكلته ومبايعته وغيرها من المعاملات إلى أن يتوب أو يموت، ويمنع من دخول دار الشرك.
٢ ويقرب من هذا الشافعية حيث قالوا: للإمام أن يعزره بحبس أو غيره.

<<  <   >  >>