النخعي: النفي هو السجن في المكان الذي يراه الإمام؛ لأن النفي من جميع الأرض محال، وكذلك نفيه إلى دار الحرب يؤدي إلى ردته وصيرورته حربا على دار الإسلام، فيكون المراد بالنفي حبسه في البلد الذي يراه الإمام، وهو نفي أيضا؛ لأنه نفي من سَعَة الدنيا إلى ضيقها، نفي من الأرض إلا من موضع سجنه، ولقد قال بعض أهل السجون في هذا المعنى:
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها ... فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا
إذا جاءنا السجان يوما لحاجة ... عجبنا قلنا جاء هذا من الدنيا
وقد حكى مكحول أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أول من حبس في السجون، وقال: أحبسه حتى أعلم منه التوبة، ولا أنفيه من بلد إلى بلد فيؤذيهم، وهذا ما نرجحه.
ثالثا: أثر التوبة على العقوبة:
أعطت الشريعة الإسلامية للمحاربين والمفسدين في الأرض فرصة يتمكنون بها من الخلاص من عقوبة جريمة المحاربة، وتتمثل هذه الفرصة في توبتهم قبل القدرة عليهم، قال تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
فقد بينت الآية أن العقوبة تسقط عن المحارب إذا تاب، وكانت توبته قبل القدرة عليه؛ أي: قبل التمكن من القبض عليه، والمقصود بالتوبة رجوعه عما فعل وإقراره بخطيئته وندمه عليها وعزمه على ألا يفعل مثلها في المستقبل ورد الحقوق إلى أصحابها، فإذا كانت التوبة على هذا النحو كانت دليلا على عدول المجرم عن سلوكه الإجرامي، وتفاعله مع المجتمع الذي يعيش فيه واندماجه معه في البحث عن الرزق بالوسائل المشروعة، والوصول إلى الغايات بالطرق المباحة، خاصة وأن هذه التوبة قد تمت قبل القبض عليه،