أي: قبل أن تكون التوبة مشوبة برغبة في الخلاص من عقوبة وشيكة الوقوع والإفلات من تنفيذها؛ أي: بعد القدرة عليه، فإن تنفيذ العقوبة المقررة أصبح واجبا على الجميع، لاحقا لله تعالى لا يملك أحد إسقاطه أو العفو عنه، فإذا تاب حينئذ كانت توبته نابعة من الخوف من العقوبة، وليست نابعة من تحول في السلوك أو تعديل في مجراه؛ أي: أن الدوافع إليها ليست دوافع منبثقة عن اقتناع ذاتي بخطأ هذا المسلك الإجرامي الذي سلكه، وتعديل له بالاتجاه في الطريق الصحيح؛ ولذلك لم يجعل المشرع لهذه التوبة الحادثة بعد القبض عليه أثرا في إسقاط العقوبة؛ لأن المستثنى من العقوبة هو التائب قبل القدرة عليه، أما في غير هذه الحالة فإن الحكم باقٍ في حق الكل، والمشرع الحكيم بفتح هذا الباب يتيح للجناة فرصة العودة إلى الحياة الطبيعية بكل نعيمها واطمئنانها دون أي شائبة، والابتعاد عن التمادي في الإجرام وموالاته، وبذلك تقل الجرائم ويتوب المجرمون إلى رشدهم، إلا أن أثر هذه التوبة يظهر بالنسبة لبعض الحقوق دون بعضها الآخر.
أثر هذه التوبة على الحقوق:
عرفنا أن الحقوق باعتبار كون نفعها عاما أو خاصا قسمان رئيسيان:
حق الله تعالى: وهو ما يتعلق به النفع العام للعالم من غير اختصاص بأحد، فينسب إلى الله تعالى لعظم خطره وشمول نفعه، ويندرج تحت هذا القسم من العقوبات الحدود، ومنها حد الحرابة.
وحق العبد: وهو الذي تتعلق به مصلحة خاصة للعبد، ويندرج تحت هذا القسم القصاص وضمان الأموال، فإذا تاب المحارب قبل القدرة عليه فقد أفتى الفقهاء على إسقاط عقوبة المحاربة عنه قتلا أم صلبا أم قطعا أم حبسا؛ لأنها حق لله تعالى، وقد بين سبحانه وتعالى في الآية أن التائبين قبل القدرة عليهم مستثنون من هذه العقوبة كما قال جمهور