للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للفقهاء "الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والإمامية"١ أن حقوق العباد لا تؤثر التوبة في إسقاطها؛ بل يؤخذون بها، فيكون لولي الدم حق استيفاء القصاص -أو العفو- إن قتلوا أو جرحوا، وغرموا المال والدية فيما ليس فيه قصاص، ولصاحب المال أخذ عين ماله إن كان قائما، وتضمينه إن كان هالكا، وله أن يتنازل عنه، ويلاحظ في كل حالة القواعد الأساسية لاستيفاء هذا الحق، فيلاحظ مثلا في القتل كونه عمدا أو شبه عمد أو خطأ، وكون


١ وخالف في ذلك الزيدية؛ حيث قالوا: إن التوبة قبل القدرة تسقط كل الحقوق، سواء كانت لله تعالى أم لعباده، قتلا أو جرحا أو مالا "التاج المذهب ج٤، ص٢٥٥" وهذا ما لا نوافقهم عليه، ضمانا لحقوق الآخرين، ودرأ للجريمة، وجاء في المغني والشرح الكبير "ج١٠ص١٥" أنه إن فعل المحارب ما يوجب حدا لا يختص المحاربة كالزنا والقذف وشرب الخمر والسرقة، فذكر القاضي أنها تسقط بالتوبة؛ لأنها حدود لله تعالى، فتسقط بالتوبة كحد المحاربة إلا حد القذف، فإنه لا يسقط؛ لأنه حق آدمي، ولأن في إسقاطها ترغيبا في التوبة ويحتمل ألا تسقط؛ لأنها لا تختص المحاربة، فكانت في حقه كهي في حق غيره.
وإن أتى حدا قبل المحاربة ثم حارب وتاب قبل القدرة عليه لم يسقط الحد الأولى؛ لأن التوبة إنما يسقط بها الذنب الذي تاب منه دون غيره، وما ذكره القاضي من سقوط حدود الزنا وشرب الخمر والسرقة يحتاج إلى تفصيل؛ لأنه إن زنَى تحت قوة السلاح، فهذا أشد أنواع المحاربة، فتطبق عليه عقوبتها، فيقتل محصنا كان أو غير محصن "كما صرح المالكية والإمامية" وإن جاء تائبا قبل القدرة عليه، عاد تكييف الجناية إلى حالتها العادية، فيجلد إن كان كان غير محصن، ويرجم إن كان محصنا، وكذلك الحال في شرب الخمر، وفي السرقة، كما هو في القذف، وهو الرأي الثاني الذي ذكره ابن =

<<  <   >  >>