وأما القياس: فوجهه أن الكفارة دائرة بين العبادة والعقوبة، فلا بد من أن يكون سببها أيضا دائرًا بين الحظر والإباحة؛ لتعلق العبادة بالمباح والعقوبة بالمحظور، وقتل العمد كبيرة محضة، وما كان كبيرة محضة لا يكون سببا لشيء فيه معنى العبادة، فلا تناط به، والكفارة كسائر الكبائر مثل الزنا والسرقة والربا واليمين الغموس.
الرد على أدلة الرأي الأول:
كما ردوا على أدلة الرأي الأول فقالوا: إن حديث واثلة يرد عليه بثلاثة ردود؛ أولها: أن قوله: "استجوب النار بالقتل" تأويل من الراوي؛ لأن في بعض رواياته لم يذكر أنه أوجب النار بالقتل، وثانيها: أنه لو أراد كفارة القتل لذكر رقبة مؤمنة، فلما لم يشرط لهم الإيمان في الرقبة دل على أنها ليست من كفارة القتل، وثالثها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بأن يعتقوا عنه رقبة، ولا خلاف أنه ليس عليهم عتقها عنه، وإنما الذي يعتقها هو القاتل بنفسه، وأيضا فإن عتق الغير عن القاتل لا يجزيه عن الكفارة.
وأما قولهم: إن الكفارة في العمد أوجب؛ لأنه أغلظ، فقد أجابوا عنه بأن الكفارة في الخطأ ليست مستحقة بالمأثم حتى يعتبر عظم المأثم فيها؛ لأن المخطئ غير آثم، فاعتبار المأثم في هذه الكفارة ساقط، وأيضا فإن تعين الكفارة في الشرع لدفع الذنب الأدنى -وهو الخطأ- لا يدل على تعينها لدفع الذنب الأعلى -وهو العمد- فإن سجود السهو يلزم الساهي ولا يلزم المتعمد، فلا يمكن قياس القتل العمد على القتل الخطأ.