فالأول يكون القتل به عمدا، والثاني يكون شبه عمد، وقد استدلوا بالكتاب والسنة والقياس:
أما الكتاب: فإن الأدلة الكلية القاضية بوجوب القصاص من الكتاب {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}{النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} وردت مطلقة غير مقيدة بمحدد أو غيره، فتكون كل آلة تؤدي إلى القتل غالبا محددة أو غير محددة موجبة للقصاص ما دام القتل عمدا.
أما السنة: فبما روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: إن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين، فسألوها: من صنع هذا بك؟ فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها، فأخذ اليهودي، فأقر، فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرض رأسه بين حجرين، رواه الجماعة، واللفظ لمسلم، وفي رواية لمسلم:"وأن يهوديا قتل جارية على أوضاح١ لها فقتلها بحجر".
وجه الاستدلال: أن هذا اليهودي قد قتل الجارية بحجر، والحجر ليس بمحدد كالسيف ونحوه مما يفرق الأجزاء، بل هو مما يقتل بثقله، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقتل اليهودي قصاصا؛ لأنه قتل عمد، ولم يعتبره شبه عمد، فيكون هذا الحديث دليلا على أن القتل بالمثقل يوجب القصاص.
وأيضا بما روي عن حمل بن مالك قال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى النبي -صلى الله عليه وسلم- في جنينها
١ أي: حلي لها من فضة، ذكر أهل اللغة أن الفضة تسمى وضحا -بفتحتين- لبياضها، ويجمع على أوضاح.