تنص على أن الرسل -صلوات الله وسلامه عليه- قضى بالدية على العاقلة في هذه الجناية -وهي جناية شبه عمد، وليست خطأ- فدل ذلك على وجوبها على العاقلة في شبه العمد بنص الأحاديث.
وأما القياس: فقد قاسوا القتل شبه العمد على القتل خطأ، ووجه ذلك أن القتل شبه العمد قتل لا يوجب القصاص، فكان كالقتل خطأ من هذا الوجه، ولما وجب في القتل خطأ الدية على العاقلة يجب كذلك في شبه العمد على العاقلة قياسا عليه.
وأيضا فإن القتل شبه العمد يخالف العمد المحض؛ لأن العمد يغلظ من كل وجه، لقصد الجاني الفعل وإرادته القتل، وأما شبه العمد فإنه يغلظ من وجه، وهو قصد الجاني الفعل، ويخفف من وجه، وهو كونه لم يرد القتل، فاقتضى تغليظها من وجه تغليظ الدية، واقتضى تخفيفها من وجه تحمل العاقلة للدية وتأجيلها، على ما سنذكره في الفقرة التالية.
الترجيح:
ونرى رجحان هذا الرأي "الثاني"؛ وذلك لصحة الأحاديث التي أثبتت أن العاقلة هي التي تتحمل الدية في هذا النوع من الجناية، ولأن القاتل منا معذور؛ لأنه لم يكن يقصد القتل، فكان ذلك مدعاة للتخفيف عنه، ومظهر هذا التخفيف هو أن تتحمل العاقلة هذه الدية أو لأن النتيجة وهي القتل في شبه العمد قد وقعت دون قصد، فهي شبيهة بالنتيجة التي حدثت في القتل خطأ. فالقتل في كلا الجنايتين غير مقصود، وإذا تساويا في هذا تساويا في أن تتحمل العاقلة دية هذه النفس في شبه العمد كما تتحملها في الخطأ.