بنص الحديث "كما تقدم"، ولأنه لا عذر للقاتل في القتل العمد، وإذا لم يكن له عذر فإنه لا يستحق التخفيف، والعاقلة إنما تحمل عن الجاني ما يستدعي التخفيف عنه؛ لأنها تتحمل عنه مواساة ومعاونة وتآزرا معه فيما وقع فيه خطأ ودون قصد.. أما ما كان عمدا فإنه لا يتلاءم مع المعنى الذي يهدف إليه المشرع من وراء معنى العاقلة وما تتحمله.
وأما الكفارة، فقد اختلف الفقهاء في إيجابها على من قتل نفسه عمدا، فيرى جمهور الفقهاء أنها لا تجب وبخاصة من يرون عدم إيجاب الكفارة في قتل الغير عمدا، وهم "الحنفية والحنابلة والزيدية والثوري وأبو ثور" للأدلة التي سبق النص عليه، ويرى الشافعية إيجاب الكفارة في القتل العمد أو شبهه أو الخطأ، سواء قتل نفسه أو غيره، فقد جاء في مغني المحتاج:"وتجب الكفارة بقتل مسلم ولو بدار الحرب وذمي وجنين، وعبد نفسه، وبقتل نفسه؛ لأنه قتل نفس معصومة، فتجب فيه كفارة لحق الله تعالى، فتخرج من تركته، أما إذا لم تكن نفسه معصومة بأن كانت مهدرة، فينبغي -كما قال الزركشي- ألا تجب، وفي قتل نفسه وجه: أنه لا يجب لها الكفارة كما لا يجب ضمانها بالمال".
ثانيا: وأما إن قتل نفسه قتلا شبه عمد، فإنه يلزمنا أن نذكر بعض الأمثلة التي أوردها الفقهاء لمثل هذا القتل، ثم نتبعها ببيان ما يجب فيه من دية أو كفارة، أما الأولى فمن صوره: إمساك الحية مع الظن أنها لا تقتل، أو أن يأكل كثيرا حتى يبشم، أو المشي على الحبال في الهواء، والجري في المواضع البعيدة مما يفعله أرباب البطالة والشطارة، وكل ذلك يعتبر قتلا شبه عمد إذا لم يقصد بشيء من ذلك قتل نفسه؛ لأن هذه الأفعال تقتل غالبا، ويمكن أن يقاس على ذلك الألعاب التي يغلب فيها ذلك كالمصارعة والملاكمة.
وأما ما يجب فيه من دية أو كفارة، فأما الدية فقد اختلف الفقهاء في إيجابها، فيرى البعض إيجابها على العاقلة "في رأي للشافعية -غير المشهور-