ورأي للحنابلة" معتبرين أن هذه الجناية تساوي جناية الإنسان على غيره خطأ أو شبه عمد، فكما وجبت على العاقلة دية قاتل غيره خطأ أوشبه عمد، فكذلك تجب هنا في الحالتين.
ويرى جمهور الفقهاء أنه لا تجب الدية في هذه الجناية؛ لأنه لا عذر له في اقترافه الفعل الموجب لها؛ إذ لم يكن معذورا، فإنه يشبه العمد المحض، والعمد المحض لا تجب فيه الدية، فكذلك هنا.
وهو رأي الحنفية والمالكية والشافعية "المشهور" والحنابلة.
والناظر إلى هذين الرأيين على ضوء التطور الصناعي في هذا العصر يجد أن كثيرا من الناس يباشرون بعض الأعمال التي تكتنفها بعض المخاطر؛ كعمال المناجم، ومصانع الحديد والصلب، وما شاكل ذلك من الصناعات والأعمال؛ طلبا لرزقهم، وسدا لحاجتهم، وتنمية لاقتصاد دولتهم.
وقد يترتب على مباشرتهم لهذه الأعمال ذهاب أرواحهم أو أعضائهم أو حدوث أضرار جسمانية، فما الموقف من هؤلاء في ظل الفقه الإسلامي؟
إنني أرى أن هذا العمل الذي يقوم به العامل والذي يحتاج إليه الفرد والدولة لا بد من أن يكون محاطا ببعض الضمانات الكفيلة بسد الثغرات التي تنتج عن استمرار العمل والإنتاج، وهذه الضمانات هي إيجاب الدية لمن قتل منهم أثناء تأديته عمله، وتكون هذه الدية على العاقلة؛ لأنه قتل شبه عمد؛ إذ العمل قد يؤدي إلى القتل، والقتل غير مقصود، وفي شبه العمد الدية على العاقلة، فكذلك هنا.
فإن لم تكن له عاقلة كانت ديته من بيت المال، ولا يمكن قياس هذا القتل على القتل العمد، حتى لا تجب الدية على العاقلة؛ لأن العمد أن يقصد الفعل ... ويقصد به القتل، وقد سبق أن بينا مدلول العاقلة في الفقه