للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستنكر عن قوم غير مرضيين ممن ذم الرواية عنهم أئمة الحديث، لما سهل علينا الانتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل؛ ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة، بالأسانيد الضعاف المجهولة، وقذفهم بها، إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها خف على قلوبنا إجابتك إلى ما سألت" ثم قال: "اعلم -وفقك الله تعالى- أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع، والدليل على أن الذي قلنا من هذا هو اللازم دون ما خالفه قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} ١ الآية وقال عز وجل: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء} ٢ وقال سبحانه: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم} ٣. فدل بما ذكرنا من هذا الآي، أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول وأن شهادة غير العدل مردوة والخبر إن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه، فقد يجتمعان في معظم معانيها إذ خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم كما أن شهادته مردودة عند جمعهم: ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار، كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق وهو الأثر المشهور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم٤: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". ثم ساق مسلم رحمه الله ما ورد وعيد الكذب عليه -صلى الله عليه وسلم- مما هو متواتر. ثم أسند عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال٥: "سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم".


١ سورة الحجرات، الآية، ٦.
٢ سورة البقرة، آية: ٢٨٢.
٣ سورة الطلاق، آية: ٢.
٤ رواه أحمد ومسلم وابن ماجه عن سمرة.
٥ أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.

<<  <   >  >>