٥- الرجوع إلى الأصول الصحيحة المقابلة على أصل صحيح لمن أراد العمل بالحديث:
قال النووي في التقريب:"ومن أراد العمل بحديث من كتاب، فطريقة أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة، فإن قابلها بأصل محقق معتمد أجزأه". ا. هـ.
وقال العلامة ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح عند قول صاحب:"المشكاة" -وإذا نسبت الحديث إليهم كأني أسندت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم:"عُلِمَ من كلام المصنف أنه يجوز نقل الحديث من الكتب المعتمدة التي اشتهرت وصحت نسبها لمؤلفيها كالكتب الستة وغيرها من الكتب المؤلفة، سواء في جواز من نقله مما ذكر، أكان نقله للعمل بمضمونة، وما اقتضاه كلام ابن الصلاح من اشتراطه، حملوه على الاستحباب، ولكن يشترط في ذلك الأصل أن يكون قد قوبل على أصل له معتمد مقابلة صحيحة لأنه حيئنذ يحصل به الثقة التي مدار الاعتماد عليها صحة واحتجاجًا.
"وعُلِمَ من كلام المنصف أيضًا أنه لا يشترط في النقل من الكتب المعتمدة للعمل أو للاحتجاج أن يكون له به رواية إلى مؤلفيها، ومن ثم قال ابن برهان: ذهب الفقهاء كافة إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه، بل إذا صحت عنه النسخة من السنن جاز العمل بها وإن لم يسمع". ا. هـ.
وفي تدريب الراوي شرح تقريب النواوي: "حكى الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني الإجماع على جواز النقل من الكتب المعتمدة، ولا يشترط اتصال السند إلى مصنفيها، وذلك شامل لكتب الحديث والفقه. وقال الطبري في تعليقه: من وجد حديثًا في كتاب صحيح، جاز له أن يرويه ويحتج به، وقال قوم من أصحاب الحديث: لا يجوز له أن يروي لأنه لم يسمعه، وهذا غلط، وكذا حكاه إمام الحرمين في البرهان عن بعض المحدثين، وقال: هم عصبة لا مبالاة بهم في حقائق الأصول -يعني المقتصرين على السماع، لا أئمة الحديث- وقال عز الدين بن عبد السلام في جواب سؤال كتبه إليه أبو محمد بن عبد الحميد، وأما الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوقة، فقد اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد عليها والاستناد إليها؛ لأن الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالرواية، ولذلك اعتمد الناس على الكتب المشهورة في النحو واللغة والطب وسائر العلوم، لحصول الثقة بها، وبعد التدليس، ومن زعم أن الناس اتفقوا على الخطأ في ذلك، فهو أولى بالخطأ منهم، ولولا جواز الاعتماد على ذلك لتعطل كثير من المصالح المتعلقة بها، قال: وكتب الحديث أولى بذلك من كتب الفقه وغيرها، لاعتنائهم بضبط النسخ وتحريرها، فمن قال: إن شرط التخريج من كتاب يتوقف على اتصال السند فقد خرق الإجماع". ا. هـ.