للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- بيان كيفية تلقي الأمة الشرع من النبي صلى الله عليه وسلم:

قال ولي الله قدس سره أيضًا في الحجة البالغة١: واعلم أن تلقي الأمة منه الشرع على وجهين:

أحدهما تلقي الظاهر، ولا بد أن يكون ما ينقل إما متواترًا أو غير متواتر؛ والمتواتر منه المتواتر لفظًا كالقرآن العظيم، وكنبذ يسيره من الأحاديث منها قوله -صلى الله عليه وسلم٢: "إنكم سترون ربكم"، ومنه المتواتر معنى ككثير من أحكام الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والبيوع والنكاح والغزوات مما لم يختلف فيه فرقة من فرق الإسلام، وغير المتواتر أعلى درجاته المستفيض وهو ما رواه ثلاثة من الصحابة فصاعدًا ثم لم يزل يزيد الرواة إلى الطبقة الخامسة، وهذا قسم كثير الوجود وعليه بناء رءوس الفقه ثم الخبر المقضي له بالصحة أو الحسن على ألسنه حفاظ المحدثين وكبرائهم ثم أخبار فيها كلام قبلها بعض، ولم يقبلها آخرون فما اعتضد منها بالشواهد أو قول أكثر أهل العلم أو العقل الصريح وجب اتباعه.

وثانيهما: التلقي دلالة وهي أن يرى الصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول أو يفعل، فاستنبطوا من ذلك حكما من الوجوب وغيره، فأخبروا بذلك الحكم فقالوا: الشيء الفلاني واجب وذلك الآخر جائز ثم تلقي التابعون من الصحابة كذلك فدون الطبقة الثالثة فتاواهم وقضاياهم، وأحكموا الأمر وأكابر هذا الوجه٣ عم وعلي وابن مسعود وابن عباس -رضي الله عنهم، لكن كان من سيرة عمر "رض" أنه كان يشاور الصحابة، ويناظرهم حتى تنكشف الغمة ويأتيه الثلج فصار غالب قضاياه، وفتاواه متبعة في مشارق الأرض، ومغاربها، وهو قول إبراهيم لما مات عمر -رضي الله عنه: "ذهب تسعة أعشار العلم" وقول ابن مسعود -رضي الله عنه- كان عمر إذا سلك طريقا، وجدناه سهلًا وكان علي -رضي الله عنه- لا يشاور


١ ص١٠٤، "ذ. س".
٢ أخرجه البخاري من حديث جرير بن عبد الله البجلي.
٣ أي التلقي دلالة. ا. هـ. دهلوى.

<<  <   >  >>