الحمد لله الذي أنزل أحسن الحديث، وأودع درر بيانه في محكم الحديث، وألهم حملته العدول، وحفظته الفحول، إيضاح مصطلحه وقواعده، ليدنوا اجتناء ثمرات فوائده فإنه لسماء المعارف الشمس البازغة، وللهداية إلى طريق الحق الحجة الدامغة، أحمده حمد من أعمل بالحمد لسانه، وشغل بالشكر أركانه وجنانه، وأشكره شكر معترف بامتنانه، مغترف من بحر بره وإحسانه وأصلي وأسلم على من أوتي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم، سيدنا محمد أفضل من كحلت به الرسالة أجفانها، ونظمت به النبوة جمانها، وعلى آله الفائزين بتلقي إرساله، واتباع أقواله وأفعاله، وعلى أصحابه الذين دأبوا في المآثر الصالحة، ونصبوا على تعاطي التجارت الرابحة، وعلى السادة الأتباع، الذين اقتفوا مسالك الأتباع، وجانبوا محدثات الابتداع، وعلى من تبعهم بإحسان، وتأسى بهم في حفظ الهدي النبوي المصون، ما أرسل راو الإسناد وعنعنه، وصحح متنه وحسنه.
أما بعد. فإن من سعادة الأمة أن يكون لديها من العلماء طائفة مهتمة، يختص عملها بتنوير عقولهم بالمعارف الحقة، وتحليتها بالعلوم الصافية بكمال الدقة، لا ينون في تبيين طرق السعادة ومواردها. ولا يألون جهدًا في السلوك بهم في جوادها، وذلك أن بداهة العقل حاكمة بأن جل المعارف البشرية، والعقائد الدينية، والأحكام الشرعية، مكتسبة أي من العلوم النظرية، فإن لم يكن في الناس معلم حكيم، قصرت العقول عن درك ما ينبغي لها دركه من التقويم، وانقطعت دون الكفاية مما يلزم لسد ضرورات الحياة الأولى، والاستعداد لما يكون في الأخرى، وساوى الإنسان في معيشته سائر الحيوانات، وحرم سعادة الدارين وفارق هذه الدنيا على أتعس الحالات. وإن من أعظم ما يسعى إليه الساعون، ويتنافس في الدعوة إليه المتنافسون، علوم الحديث الكاشفة النقاب، عن جمال وجوه مجملات الكتاب، والمدار لتفصيل الأحكام، وتبيين أقسام الحلال والحرام: إذ مستندها ما صح من الأخبار، وثبت حسنه من الآثار، ولا طريق لتعريف ذلك، إلا