٢٦- فتوى الإمام تقي الدين أبي العباس فيمن تفقه على مذهب:
ثم اشتغل بالحديث فرأى في مذهبه ما يخالفه الحديث كيف يعمل؟
سئل شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيميه عليه الرحمة، والرضوان عن رجل تفقه على مذهب من المذاهب الأربعة، وتبصر فيه واشتغل بعده بالحديث فوجد أحاديث صحيحة لا يعلم لها ناسخًا ولا مخصصًا ولا معارضًا؛ وذلك المذهب فيه ما يخالف تلك الأحاديث، فهل له العمل بالمذهب، أو يجب عليه الرجوع إلى العمل بالحديث ومخالفة مذهبه؟ فأجاب رحمه الله تعالى:"قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع، أن الله تعالى افترض على العباد طاعته وطاعة رسوله، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في كل ما أمر به ونهى عنه إلا رسوله -صلى الله عليه وسلم- حتى كان صديق الأمة وأفضلها بعد نبيها -صلى الله عليه وسلم، ورضي عنه يقول: "أطيعوني ما اطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم". واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصومًا في كل ما أمر به ونهى عنه إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولهذا قال غير واحد من الأئمة: كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهؤلاء الأئمة الأربعة قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه. وذلك هو الواجب وقال أبو حنيفة: "هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت، فمن جاء برأي خير منه قبلناه" ولهذا لما اجتمع أفضل أصحابه أبو يوسف بإمام دار الهجرة مالك بن أنس، وسأله عن مسألة الصاع، وصدقة الخضروات، ومسألة الأحباس، فأخبره مالك بما دلت عليه السنة في ذلك، فقال: رجعت لقولك يا أبا عبد الله ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت.
ومالك رحمه الله كان يقول: "إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة". أو كلام هذا معناه. والشافعي رحمه الله كان يقول: "إذا صح الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط. وإذا رأيت الحجة موضوعة على طريق فهي قولي. وفي قال مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره من العلماء. والإمام أحمد رحمه الله كان يقول:"من ضيق علم الرجل أن يقلد دينه الرجال. قال: "لا تقلد دينك الرجال، فإنهم لم يسلموا أن يغلطوا". وقد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال١: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ... " ولازم ذلك أن من لم يفقه في الدين لم يرد الله به خيرًا فيكون التفقه في الدين فرضًا. والتفقه في الدين معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها السمعية