وأحاديث الزهد، ومكارم الأخلاق ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال، والحرام وسائر الأحكام، وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث، وغيرهم التساهل فيه ورواية ما سوى الموضوع منه، والعمل به لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع معروفة عند أهله، وعلى كل حال فإن الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئًا يحتجون به، على انفراده في الأحكام فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين، ولا محقق من غيرهم من العلماء، وأما فعل كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم ذلك، واعتمادهم عليه فليس بصواب بل قبيح جدًّا، وذلك لأنه إن كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يحتج به فإنهم متفقون على أنه لا يحتج بالضعيف في الأحكام وإن كان لا يعرف ضعفه لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا أو بسؤال أهل العلم به إن لم يكن عارفا". ا. هـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى: "قد يكون الرجل عندهم ضعيفًا لكثرة الغلط في حديثه ويكون حديثه الغالب عليه الصحة فيروون عنه لأجل الاعتبار به، والاعتضاد به فإن تعدد الطرق، وكثرتها يقوى بعضها بعضًا حتى قد يحصل العلم بها، ولو كان الناقلون فجارًا وفساقًا فكيف إذا كانوا علماء عدولًا ولكن كثر في حديثهم الغلط، وهذا مثل عبد الله بن لهيعة فإنه من أكابر علماء المسلمين، وكان قاضيًا بمصر كثير الحديث، ولكن احترقت كتبه فصار يحدث من حفظه فوقع في حديثه غلط كثير مع أن الغالب على حديثه الصحة قال أحمد قد أكتب حديث الرجل للاعتبار به مثل ابن لهيعة، وأما من عرف منه أنه يتعمد الكذب فمنهم من لا يروي عن هذا شيئًا، وهذه طريقة أحمد بن حنبل، وغيره لم يرو في مسنده عمن يعرف أنه يتعمد الكذب لكن يروي عمن عرف منه الغلط للاعتبار به والاعتضاد، ومن العلماء من كان يسمع حديث من يكذب، ويقول إنه يميز بين ما يكذبه وبين ما لا يكذبه، ويذكر عن الثوري أنه كان يأخذ عن الكلبي وينهى عن الأخذ عنه ويذكر أنه يعرف ومثل هذا قد يقع لمن كان خبيرًا بشخص إذا حدثه بأشياء يميز بين ما صدق فيه وما كذب فيه، بقرائن لا يمكن