للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العمل به عرفناه بالشرع لا بالعقل. وذهبت القدرية والرافضة وبعض أهل الظاهر. إلى أنه لا يجب العمل به؛ ثم منهم من يقول: منع من العمل به دليل العقل؛ ومنهم من يقول: منع دليل الشرع. وذهبت طائفة إلى أنه يجب العمل به من جهة دليل العقل. وقال الجبائي من المعتزلة: "لا يجب العمل إلا بما رواه اثنان عن اثنين" وقال غيره: "لا يجب العمل إلا بما رواه أربعة عن أربعة". وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه يوجب العلم، وقال بعضهم: "يوجب العلم الظاهر دون الباطن". وذهب بعض المحدثين إلى أن الآحاد التي في صحيح البخاري وصحيح مسلم تفيد العلم دون غيرها من الآحاد. وهذه الأقاويل كلها، سوى قول الجمهور، باطلة؛ وإبطال من قال: "لا حجة فيه" ظاهر.

فلم تزل كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- وآحاد رسله، يعمل بها، ويلزمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- العمل بذلك، واستمر على ذلك الخلفاء الراشدون فمن بعدهم، ولم تزل الخلفاء الراشدون، وسائر الصحابة، فمن بعدهم من السلف والخلف، على امتثال خبر الواحد إذا أخبرهم بسنة، وقضائهم به، ورجوعهم إليه في القضاء والفتيا، ونقضهم به ما حكموا على خلافة، وطلبهم خبر الواحد عند عدم الحجة ممن هو عنده، واحتجاجهم بذلك على من خالفهم، وانقياد المخالف لذلك، وهذا كله معروف لا شك في شيء منه، والعقل لا يحيل العمل بخبر الواحد وقد جاء الشرع بوجوب العمل به فوجب المصير إليه وأما من قال: "يوجب العلم" فهو مكابر للحسن وكيف يحصل العلم واحتمال الغلط والوهم والكذب، وغير ذلك متطرف إليه". ا. هـ.

وفي حصول المأمول١: "قد دل على العمل بخبر الواحد، الكتاب والسنة والإجماع ولم يأت من خالف في العمل به بشيء يصلح للتمسك به. ومن تتبع عمل الصحابة من الخلفاء وغيرهم وعمل التابعين فتابعيهم بأخبار الآحاد، وجد ذلك في غاية الكثرة، بحيث لا يتسع له إلا مصنف بسيط٢؛ وإذا وقع من بعضهم التردد في العمل به في بعض الأحوال


١ ص٥٦.
٢ البسيط: الواسع كما في الأساس وغيره.

<<  <   >  >>