في قوة التركيب، وجزالة الألفاظ، ودقة الأداء، دليلًا على تمكنه من لغة العرب، وصفا ذهنه، وغوصه على المعاني١.
أما كتبه التي ألفها فقد قاربت المائة. وأقدم ما عثرت عليه مؤلفاته، مجموعة سماها "السفينة" يرجع تاريخها إلى عام ١٢٩٩ - ١٨٨٣، ضم فيها طرائف من مطالعاته في الأدب والأخلاق والتصوف والتاريخ والشعر وغير ذلك وله من العمر ستة عشر عامًا. ومضى يكتب ويكتب إلى أن عجب الناس من بعده، كيف اتسع وقته -ولم يعش إلا تسعة وأربعين عامًا- لهذا الإنتاج الضخم، فضلًا عن تحمل مسئولية الرأي، وترجيح الأقوال ومناقشتها، والرجوع إلى المصادر، وفضلًا عن أعبائه العائلية، فلقد كان له زوج وسبعة أولاد، وفضلًا عن أمامته للناس في الأوقات الخمسة دون انقطاع، ودروسه العامة والخاصة، وتفقده للرحم ورحلاته، وزياراته لأصدقائه، وغير ذلك من المشاغل.
وليس من شأن هذه المقدمة أن تعد لك مؤلفات القاسمي وقد قاربت المائة، ولا أن تعرفك بمواضيعها، فارجع إلى هذا البحث، إن شئت، في الكتاب الذي لخصنا عنه هذا الفصل.
١٠- أسلوبه في الدعوة:
عرف عن القاسمي أنه كان عف اللسان والقلم، لم يتعرض بالأذى لأحد من خصومه، سواء أكان ذلك في دروسه الخاصة أو العامة، أو في مجالسه وندواته. وإنما كان يناقش بالبرهان والدليل، من الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة والمراجع المعتمدة.
وكانت له طريقة في مناقشة خصومه له يعرف أهدأ منها، ولا أجمل من صبرها. وكثيرًا ما قصده بعض المتقحمين في داره، لا مستفيدًا، ولا مستوضحًا، ولا مناقشًا، بل محرجًا.
فكان يستقبلهم بصدره الواسع، وعلمه العميق، فلا يخرج المقتحم من داره إلا وقد أفحم وامتلأ إعجابًا وتقديرًا.
١ راجع ص٣٠٢٥ من الجزء الثاني من محاسن التأويل، والمقتطفات التي أوردناها في بحث "آرائه وأفكاره".