عنه في المسألة الواحدة عدة أقوال، ووقوع الخطأ في فهم كلام المعصوم أقل بكثير من وقوع الخطأ في فهم كلام الفقيه المعين، فلا يعرض احتمال خطأ لمن عمل بالحديث وأفتى به إلا وأضعاف أضعافه حاصل لمن قلد من لا يعلم خطأه من صوابه، والصواب في هذه المسألة التفصيل: فإن كانت دلالة الحديث ظاهرة بينة لكل من سمعه لا يحتمل غير المراد فله أن يعمل به ويفتي به ولا يطلب له التزكية من قول فقيه وإمام، بل الحجة قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن خالفه من خالفه، وإن كانت دلالة خفية لا يتبين له المراد فيها لم يجز له أن يعمل ولا يفتي بما يتوهمه مرادًا، حتى يسأل ويطلب بيان الحديث ووجهه وإن كانت دلالة ظاهرة كالعام على أفراده، والأمر على الوجوب، والنهي على التحريم فهل له العمل والفتوى يخرج على أصل وهو العمل بالظواهر قبل البحث على المعارض، وفيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره الجواز والمنع والفرق بين العام، فلا يعمل به قبل البحث عن المخصص والأمر والنهي فيعمل به قبل البحث من المعارض، وهذا كله إذا كان ثَمَّ أهلية، ولكنه قاصر في معرفة الفروع وقواعد الأصوليين والعربية، وأما إذا لم يكن ثم أهلية ففرضه ما قال الله:{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} وقول النبي -صلى الله عليه وسلم١:"ألا اسألوا إذا لم تعلموا، إنما شفاء العي السؤال". وإذا جاز اعتماد المستفتي على ما يكتبه المفتي من كلامه وكلام شيخه وإن علا، فاعتماد الرجل على ما كتبه الثقات من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولى بالجواز وإذا قدر أنه لم يفهم الحديث كما لو لم يفهم فتوى المفتي، فيسأل من يعرفه معناه كما يسأل من يعرفه معنى جواب المفتي وبالله التوفيق.
١ من حديث جابر عند أبي داود والدارقطني، وأخرجه غيرهما وله تتمة.