على الحق وبذلوا الجهد في طلبه، بلغهم الله إليه، وأوقفهم عليه، وفازوا من بين العوالم الجمة، فكم أدرك الحق طالبة في زمن الفترة! وكم عمي عنه المطلوب له في زمن النبوة! فاعتبر بذلك واقتد بأولئك فإن الحق ما زال مصونًا عزيزًا نفيسًا كريمًا، لا ينال مع الإضراب عن طلبه وعدم التشوف والتشوق إلى سببه ولا يهجم على المبطلين المعرضين ولا يفاجئ أشباه الأنعام الغافلين؛ ولو كان كذلك ما كان على وجه الأرض مبطل ولا جاهل ولا بطال ولا غافل". انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
المطلع الثالث:
لا خفاء أن من المدارك المهمة في باب التصنيف، عزو الفوائد والمسائل والنكت إلى أربابها تبرؤا من انتحال ما ليس له، وترفعًا عن أن يكون كلابس ثوبي زور. لهذا ترى جميع مسائل هذا الكتاب معزوة إلى أصحابها بحروفها وهذه قاعدتنا فيما جمعناه ونجمعه.
وقد اتفق أني رأيت في "المزهر" للسيوطي هذا الملحظ حيث قال في ترجمة "ذكر من سئل عن شيء فلم يعرفه فسأل من هو أعلم منه" ما نصه١: "ومن بركة العلم وشكره، عزوه إلى قائله؛ قاله الحافظ أو طاهر السلفي: سمعت أبا الحسن الصيرفي، يقول: سمعت أبا عبد الله الصوري يقول: قال لي عبد الغني بن سعيد: "لما وصل كتابي إلى أبي عبد الله الحاكم، أجابني بالشكر عليه، وذكر أنه أملاه على الناس، وضمن كتابه إلى الاعتراف بالفائدة وأنه لا يذكرها إلا عني". وأن أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثهم، قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري، قال: سمعت أبا عبيد يقول: "من شكر العلم أن تستفيد الشيء، فإذا ذكر لك قلت: خفي عليَّ كذا وكذا ولم يكن لي به علم، حتى أفادني فلان فيه كذا وكذا، فهذا شكر العلم. قال السيوطي: "ولهذا لا تراني أذكر في شيء من تصانيفي حرفًا إلا معزوا إلى قائله من العلماء مبينا كتابه الذي ذكره فيه". ا. هـ.