يثبت فلا حجة لأحد معه. وكان -رضي الله عنه- يقول: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجل في أعيننا من أن نحب غير ما قضى به. وقال الشافعي في باب الصيد من الأم:"كل شيء خالف أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سقط، ولا يقوم معه رأي ولا قياس فإن الله تعالى قطع العذر بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليس لأحد معه أمر، ولا نهى غير ما أمر هو به، وقال في باب: "المعلم يأكل من الصيد": وإذا ثبت الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحل تركه أبدًا وقال في باب العتق من الأم: "وليس في قول أحد وإن كانوا عددًا مع النبي حجة".
قال الشعراني: "هذا ما اطلعت عليه من المواضع التي نقلت عن الإمام الشافعي في تبرئة من الرأي، وأدبه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل روينا عنه أنه كان يتأدب مع أقوال الصحابة والتابعين فضلًا عن كلام سيد المرسلين فنقل ابن الصلاح في علوم الحديث أن الشافعي قال في رسالته القديمة بعد أن أثنى على الصحابة بما هم أهله والصحابة -رضي الله عنهم- فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وفي كل أمر استدرك به علم وآراؤهم لنا أحمد وأولى من رأينا عندنا لأنفسنا". ا. هـ.
قال الشيخ الأكبر قدس الله سره في فتوحاته المكية، في فصل صلاة الكسوف: "فإن أخطأ المجتهد فهو بمنزلة الكسوف الذي في غيبة المكسوف، فلا وزر عليه وهو مأجور وإن ظهر له النص، وتركه لرأية أو لقياسه فلا عذر له عند الله، وهو مأثور وهو الكسوف الظاهر الذي يكون له الأثر المقرر عند علماء هذا الشأن، وأكثر ما يكون هذا في الفقهاء المقلدين لمن قالوا لهم لا تقلدونا، واتبعوا الحديث إذا وصل إليكم المعارض لكلامنا فإن الحديث مذهبنا، وإن كنا لا نحكم بشيء إلا بدليل يظهر لنا في نظرنا أنه دليل، وما يلزمنا غير ذلك، ولكن ما يلزمكم اتباعنا ولكن يلزمكم سؤالنا، وفي كل وقت في النازلة الواحدة قد يتغير الحكم عند المجتهدين، ولهذا كان يقول مالك إذا سئل في نازلة هل وقعت فإن قيل لا يقول لا أفتي وإن قيل نعم أفتى بذلك الوقت بما أعطاه دليله فأبت المقلدة من الفقهاء أن توفي حقيقة تقليدها لإمامها باتباعها الحديث عن أمر إمامها، وقلدته في الحكم مع وجود المعارض، فعصت الله في قوله:"وما آتاكم الرسول فخذوه" وعصت الرسول في قوله: "فاتبعون" وعصت إمامها في قوله: "خذوا بالحديث إذا بلغكم، واضربوا بكلامي الحائط". فهؤلاء الفقهاء في كسوف دائم سرمد عليهم إلى يوم القيامة فيتبرأ منهم الله ورسوله، والأئمة فانظر مع من يحشر مثل هؤلاء" انتهى كلام الشيخ الأكبر قدس سره بحروفه.