للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لما يرغب من عرض الدنيا وشهواتها فهو المذموم الآثم "كذا في الجمادى" وأما "ما" يورد على الألسنة من أن العمل على الفقه لا على الحديث، فتفوه لا معنى له، إذ من البين أن مبنى الفقه ليس إلا الكتاب والسنة، وأما الإجماع والقياس فكل واحد منهما يرجع إلى كل من الكتاب والسنة فما معنى إثبات العمل على الفقه ونفي العمل عن الحديث فإن العمل بالفقه عين العمل بالحديث كما عرفت، وغاية ما يمكن في توجيهه أن يقال إن ذلك حكم مخصوص بشخص مخصوص، وهو من ليس من أهل الخصوص بل من العوام الذين هم كالهوام لا يفهمون معنى الحديث ومراده ولا يميزون بين صحيحه وضعيفه ومقدمه ومؤخره ومجملة ومفسره وموضوعه وغير ذلك من أقسامه، بل كل ما يورد عليهم بعنوان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهم يعتمدون عليه، وستندون إليه من غير تمييز ومعرفة بأن قائل ذلك من نحو المحدثين أم من غيرهم، وعلى تقدير كونه من المحدثين أعدل وثقة أم لا وإن كان جيد الحفظ أو سيئه أو غير ذلك من فنونه فإن ورد على العامي حديث ويقال له إنه يعمل على الحديث فربما يكون ذلك الحديث موضوعًا ويعمل عليه لعدم التمييز، وربما يكون ذلك الحديث ضعيفًا والحديث الصحيح على خلافه فيعمل على ذلك الحديث الضعيف ويترك الحديث الصحيح، وعلى هذا القياس في كل أحواله يغلط أو يخلط فيقال لأمثاله إنه يعمل بما جاء عن الفقيه لا يعمل بمجرد سماع الحديث لعدم ضبطه إنه يعمل بما جاء من فقيه، وإن كانت الأحاديث الواردة فيه على خلاف ذلك لأن العمل على الفقه لا على الحديث هذا ثم مع هذا لا يخفى ما في هذا اللفظ من سوء الأدب والشناعة والبشاعة فإن التفوه بنفي العمل على الحديث على الإطلاق مما لا يصدر من عاقل فضلًا عن فاضل، ولو قيل بالتوجيه الذي ذكرناه أن العمل بالفقه لا على الحديث لقال قائل بعين ذلك التوجيه إن العمل على الفقه لا على الكتاب فإن العامي لا يفهم شيئًا من الكتاب، ولا يميز بين محكمة ومتشابهة وناسخه ومنسوخه ومفسره ومجملة وعامه وخاصة وغير ذلك من أقسامه، فصح أن يقال إن العمل على الفقه لا على الكتاب والحديث وفساده، أظهر من أن يظهر وشناعته

<<  <   >  >>