للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه زيادة أو نقصان، كان على من دون النبي -صلى الله عليه وسلم. وقال إبراهيم: أقول: قال عبد الله وقال علقمة أحب إلينا. وكان ابن مسعود إذا حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تربد١ وجهه وقال: هكذا أو نحوه. وقال عمر حين بعث رهطًا من الأنصار إلى الكوفة: إنكم تأتون الكوفة فتأتون قومًا لهم أزيز٢ بالقرآن، فيأتونكم فيقولون: قد أصحاب محمد، فيأتونكم، فيسألونكم عن الحديث، فأفلوا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم. قال ابن عون: كان الشعبي إذا جاءه شيء اتقى، وكان إبراهيم يقول ويقول "أخرج هذه الآثار الدارمي".

"فوقع تدوين الحديث والفقه أو المسائل من حاجتهم بموقع من وجه آخر، وذلك أنه لم يكن عندهم من الأحاديث والآثار ما يقدرون به على استنباط الفقه على الأصول التي اختارها أهل الحديث، ولم تنشرح صدورهم للنظر في أقول علماء البلدان وجمعها والبحث عنها، واتهموا أنفسهم في ذلك، وكانوا اعتقدوا في أتمتهم أنهم في الدرجة العليا من التحقيق، وكان قلوبهم أميل شيء إلى أصحابهم، كما قال علقمة: هل أحد منهم أثبت من عبد الله؟ وقال أبو حنيفة: إبراهيم أفقه من سالم، ولولا فضل الصحبة لقلت: علقمة أفقه من ابن عمر؛ وكان عندهم من الفطانة والحدس وسرعة انتقال الذهن من شيء إلى شيء ما يقدرون به على تخريج جواب المسائل على أقوال أصحابهم، و "كل ميسر لما خلق له" ٣ و {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون} ٤ فمهدوا الفقه على قاعدة التخريج، وذلك أن يحفظ كل أحد كتاب من هو لسان أصحابه وأعرفهم بأقوال القومن وأصحهم نظرًا في الترجيح، فيتأمل في كل مسألة وجه الحكم، فكلما سئل عن شيء أو احتاج إلى شيء، رأي فيما يحفظه من تصريحات أصحابه، فإن وجد الجواب فيها، وإلا نظر إلى عموم كلامهم، فأجراه على هذا الصورة أو إشارة ضمنية لكلام، فاستنبط منها، وربما كان لبعض الكلام إيمان أو اقتضاء يفهم المقصود، وربما كان للمسألة المصرح بها نظير يحمل عليها، وربما نظروا في علة الحكم المصرح به بالتخريج أو باليسر والحذف، فأداروا حكمه على غير المصرح به، وربما كان له


١ تربد: تغير.
٢ أي صوت بالبكاء.
٣ أخرجه الشيخان في الصحيحين.
٤ المؤمنون، الآية: ٥٤.

<<  <   >  >>