ظهر عليه ظهورًا بينًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بكذا ونهى عن كذا وأنه ليس بمنسوخ إما بأن يتتبع الأحاديث، وأقوال المخالف والموافق في المسألة فلا يجد لها نسخًا، أو بأن يرى جمًّا غفيرًا من المتبحرين في العلم يذهبون إليه، ويرى المخالف له لا يحتج إلا بقياس أو استنباط أو نحو ذلك فحينئذ لا سبب لمخالفة حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا نفاق خفي أو حمق جلي، وهذا هو الذي أشار إليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام حيث قال:"ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعًا، وهو مع ذلك يقلده فيه، ويترك من شهد الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبهم جمودًا على تقليد إمامه بل بتحيل لدفع ظاهر الكتاب والسنة ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالًا عن مقلدة" وقال: "لم يزل الناس يسألون من اتفق من العلماء من غير تقييد بمذهب، ولا إنكار على أحد من السائلين إلى أن ظهرت هذه المذاهب، ومتعصبوها من المقلدين فإن أحدهم يتبع إمامه مع بعد مذهبه عن الأدلة مقلدًا لهم فيما قال كأنه نبي أرسل، وهذا نأي عن الحق وبعد عن الصواب لا يرضى به أحد من أولي الألباب" وقال الإمام أبو شامة: "ينبغي لمن اشتغل بالفقه أن لا يقتصر على مذهب إمام ويعتقد في كل مسألة صحة ما كان أقرب إلى دلالة الكتاب والسنة المحكمة، وذلك سهل عليه إذا كان أتقن معظم العلوم المتقدمة، وليجتنب التعصب والنظر في طرائق الخلاف المتأخرة فإنها مضيعة للزمان، ولصفوه مكدرة فقد صح عن الشافعي أنه نهى عن تقليده وتقليد غيره، قال صاحبه المزني في أول مختصره: "اختصرت هذا من علم الشافعي، ومن معنى قوله لأقر به على من أراد مع إعلامية نهيه عن تقليده وتقليد غيره لينظر فيه لدينه، ويحتاط لنفسه أي مع إعلامي من أراد علم الشافعي نهى الشافعي عن تقليده، وتقليد غيره". ا. هـ. وفيمن١ يكون عاميًّا، ويقلد رجلًا من الفقهاء بعينه يرى أنه يمتنع من مثله الخطأ، وأن ما قاله هو الصواب البتة وأضمر في قلبه أن لا يترك تقليده، وإن ظهر الدليل على خلافه، وذلك ما رواه الترمذي عن عدي بن حاتم أنه قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ