للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجانباً من خلافة الرشيد، وكان له مع كل واحد من هؤلاء الخلفاء علاقة، فمن المقطوع به أن المنصور هو الذي ندبه ليعلم ابنه المهدي، فكان يراه أثناء تردده إلى القصر، وكان يجالسه ويسأله عن أشياء تتصل باللغة والشعر. قال له مرة: صف لي الجواد من الخيل، فقال: يا أمير المؤمنين إذا كان الفرس طويل ثلاث قصير ثلاث رحب ثلاث صافي ثلاث، فذلك الجواد الذي لا يجارى، ثم فسر هذا القول المبهم بقوله: أما الثلاث الطوال فالأذنان والهادي والفخذ وأما القصار فالظهر والعسيب والساق، وأما الرحاب فاللبان والمنخر والجبهة، والصافية: الأديم والعين والحافر (١) .

ومر به المنصور ذات يوم والمهدي بين يديه ينشد قصيدة للمسيب بن علس مطلعها:

أرحلت من سلمى بغير متاع ... قبل العطاس ورعتها بوداع ((فلم يزل واقفاً من حيث لا يشعر به حتى استوفا سماعها، ثم صار إلى مجلس له وأمر بإحضارهما فحدث المفضل بوقوفه واستماعه لقصيدة المسيب واستحسانه إياها، وقال له: لو عمدت إلى إشعار الشعراء المقلين واخترت لفتالك لكل شاعر أجود ما قال لكان ذلك صواباً، ففعل المفضل)) (٢) .

تريد هذه الرواية أن تفسر اختيار المفضل لقصائد أصبحت في مجموعها تعرف اقتراح الاختيار إلى المنصور، وأنه استثير إليه عرضاً، وحدد مجال الاختيار بأن يكون من شعر الشعراء المقلين، وإن يكون ما يختار ممثلاً لأجود ما روي لهم؛ ولكن هذا ((الفضل العباسي)) في جمع تلك القصائد يعارضه ((فضل علوي)) ، إذ تذهب رواية أخرى إلى أن إبراهيم بن عبد الله ابن حسن حين كان مستتراً عند المفضل - وكان المفضل يتركه وحيداً في البيت -


(١) أمالي الزجاجي: ٢ - ٣.
(٢) الذيل على أمالي القالي: ١٣١ - ١٣٢ وقصيدة المسيب هي المفضلية رقم: ١١.

<<  <   >  >>