للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صورة قبيلة تميم واضحة، فإذا أضفنا إلى تلك الصورة الأمثال عن بكر وتغلب وأياد والحيرة، اتضح لنا أنها في معظمها قد نبتت في شرق الجزيرة العربي. ومما يلفت النظر حقاً دوران كثير منها حول العلاقات العاطفية - وفي الغالب الجنسية - بين المرأة والرجل، وهي كثيراً ما ترد للحكم على نفسية المرأة وركونها إلى الشهوات، وقد يستنتج منها أن الرواة في العصر الإسلامي كانوا يبيحون لأنفسهم إطلاق العنان للأخيلة حول ما يمكن أن يسمى ((تحللا)) في العلاقات الجاهلية، دون أن يشعروا بحرج في ذلك، ومن دون أن يحسوا إزاء ذلك الماضي ((بغيرة قومية)) ؛ ولهذا ربما لم تكن صالحة لدراسة طبيعة المجتمع الذي نسبت إليه، وينبهنا الدكتور زلهايم بحث إلى أن المرء يجب أن يحذر من الاعتماد عليها في التاريخ الحضاري لأنها لم تسلم من التأثير الأجنبي (١) ؛ فإذا لم ترتفع إلى هذا المستوى ظلت أقاصيص أسطورية تؤخذ للتسلية، لأنها أيضاً لا تصلح أن تكون مادة تاريخية وقائعية، ذلك هو حال الحكايات المقترنة بالأمثال، فأما الأمثال نفسها فتظل ذات قيمة لغوية أدبية.

وقد كان الأقدمون يلحظون أحياناً عدم صلاحيتها في تصوير شخص ما تصويراً منسجماً متساوقاً (لأنها - فيما ظن - انطلقت من جهات متعددة وفي أزمان متباعدة ثم جمعت معاً) ، فهذه دغة مضرب المثل في الحمق، بحيث لا يرجى لحمقها برؤ تنسب إليها أمثال تدل على حظ كبير من الكياسة والذكاء، ولذلك يضطر الراوي أن يقول إن هذا الضرب الثاني من الأمثال إنما صدر عنها وقد بلغت درجة عالية ((من الشرف والعقل)) (٢) ، وذلك يشير إلى إحساس الراوي التفاوت بين فئتين من الأمثال كل منهما ينسب لدغة، وليس كذلك الحال مع بيهس، لأن شخصية بيهس - التي كانت ممحوة المعالم أمام شخصيات أخوته - وجدت التعبير


(١) الأمثال العربية القديمة: ٥٣.
(٢) أمثال الضبي (الجوائب) : ٨١.

<<  <   >  >>