للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لما شئت، اللهم إني لو كنت ضعيفاً كنت عبداً، ولو كنت امرأة كنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة، فأما الهيبة فلا هيبة، أي لا أهاب أحد.

فذكر (١) أنه افتقر حتى لم يبق له شيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرة من بعض من يمر عليه فيذهب بابله، حتى أمسى في ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة، فاشتمل الصماء - واشتمال الصماء أن يرد فضل ثوبه على عضده اليمنى ثم ينام عليها - فبينا هو نائم إذ جثم عليه رجل من الليل فقعد على جنبه فقال: استأسر، فرفع السليك إليه رأسه فقال: إن الليل طويل وأنت مقمر (٢) فأرسلها مثلاً.

ثم جعل الرجل يلهزه ويقول: يا خبيث استأسر، فلما آذاه بذلك أخرج السليك يده فضم الرجل ضمة إليه ضرط منها وهو فوقه فقال له السليك: أضراطاً وأنت الأعلى (٣) فأرسلها مثلاً.

ثم قال له السليك: من أنت؟ قال: أنا رجل افتقرت فقلت لأخرجن فلا أرجعن حتى استغني فآتي أهلي وأنا غني، قال: فانطلقي معي. قال: فانطلقا حتى وجدا رجلاً قصته مثل قصتهما، فاصطحبوا جميعا، حتى اتوا الجوف - جوف مراد الذي باليمن - فلما أشرفوا على الجوف، إذا نعم قد ملأ كل شيء من كثرته، فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضهما فليحقهم الحي، فقال لهما السليك: كونا قريبا حتى آتي الرعاء فاعلم لكم علم الحي أقريب أم بعيد، فإن كانوا قريباً رجعت إليكما، وإن كانوا بعيداً قلت لكما قولاً أوحي به لكما، فأغيروا؛ فانطلق حتى أتى الرعاء فلم يزل يتسقطهم حتى أخبروه بمكان الحي، فإذا هم بعيد إن طلبوا لم يدركوا، فقال


(١) أورد ابن قتيبة هذه القصة، في عيون الأخبار والشعر والشعراء.
(٢) المثل في فصل المقال: ٣٣٩ وجمهرة العسكري ١: ١٣٠، ٢: ١٨٩ والشعر والشعراء: ٢٨٢ وعيون الأخبار ٢: ١٧٦ والميداني ١: ٢٨٤ والمستقصى: ٨٧ والعقد ٣: ١٢٣.
(٣) انظر المصادر السابقة؛ واللسان (ضرط) .

<<  <   >  >>