ونزل القرآن بالعفو بقوله تعالى:{إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استنزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا، ولقد عفا الله عنهم} إلى آخر الآية.
وكان الحسيل بن جابر، وهو اليمان والد حذيفة، وثابت بن وقش، شيخين كبيرين فاضلين، قد جعلا في الآطام مع النساء والصبيان والهرمى؛ فقال أحدهما لصاحبه: ما بقى من أعمارنا إلا ظمء حمار (١) ، فلو أخذنا سيوفنا فلحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله تعالى يرزقنا الشهادة. ففعلا ذلك، ودخلا في المسلمين؛ فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما الحسيل فظنه المسلمون من المشركين فقتلوه خطأ، وقيل: إن متولي قتله كان عتبة بن مسعود، أخا عبد الله بن مسعود، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين.
وكان مخيريق أحد بني ثعلبة بن الفطيون من اليهود، فدعا اليهود مخيريق إلى نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم حق واجب. فقالوا له: إن اليوم السبت. فقال: لا سبت لكم. فأخذ سلاحه، ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قتل، وأوصى أن يكون ماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما يشاء، فيقال: إن بعض صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة من مال مخيريق.
وكان الحارث بن سويد بن الصامت منافقاً، فخرج يوم أحد مع المسلمين، فلما التقى المسلمون عدا على المجذر بن ذياد البلوي، وعلى قيس بن زيد أحد بني ضبيعة، فقتلهما، وفر إلى الكفار، وكان المجذر في الجاهلية
(١) الظمء: ما بين الشربين والوردين. وقولهم: ما بقي من عمر إلا ظمء حمار، أي لم يبق من عمره إلا اليسير. يقال: إنه ليس شيء من الدواب أقصر ظمئاً من الحمار.