فأنتم شرّ علينا من الهند والروم ومن الترك والديلم «١» ، إذ كنتم أحضر أذى وأدوم شرا. ثم كانت هذه صفتكم وحليتكم ومعاملتكم في شيء لا بد لكم منه، فكيف كنتم لو امتحنتم بما لكم عنه مندوحة والوجوه لكم فيه معرضة، وأنتم فيه بالخيار وليس عليكم طريق للإضطرار؟
وهذا مع قولكم: إن نزول دور الكراء أصوب من نزل دور الشراء.
وقلتم: لأن صاحب الشراء قد أغلق رهنه، وأشرط نفسه، وصار بها ممتحنا، وبثمنها مرتهنا. ومن اتخذ دارا، فقد أقام كفيلا لا يخفر، وزعيما لا يغرم. وإن غاب عنها حنّ إليها، وإن أقام فيها ألزمته المؤن وعرّضته للفتن: إن أساءوا جواره، وأنكر مكانه، وبعد مصلّاه، ونأت «٢» عنه سوقه، وتفاوتت حوائجه، ورأى أنه قد أخطأ في اختيارها على سواها، وأنه لم يوفق لرشده حين آثرها على غيرها. وأن من كان كذلك، فهو عبد داره، وخول جاره. وإن صاحب الكراء «٣» الخيار في يده والأمر إليه؛ فكل دار هي له متنزّه إن شاء، ومتجر إن شاء، ومسكن إن شاء.
لم يحتمل فيها اليسير من الذل، ولا القليل من الضيّم «٤» ؛ ولا يعرف الهوان، ولا يسام الخسف «٥» ، ولا يحترس من الحسّاد، ولا يداري المتعللّين. وصاحب الشراء يجرّع المرار، وبيسقى بكأس الغيظ، ويكد بطلب الحوائج، ويحتمل الذلة وإن كان ذا أنفة. إن عفا عفا على كظم «٦» ، ولا يوجه ذلك منه إلا الى العجز، وإن رام «٧» المكافأة