فلمّا بلغت الرسالة ابن التوأم كره أن يجيب أبا العاص، لما في ذلك من المنافسة «١» والمباينة «٢» ، وخاف أن يترقى الأمر إلى أكثر من ذلك، فكتب هذه، وبعث بها الى الثقفي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أما بعد فقد بلغني ما كان من ذكر أبي العاص لنا، وتنويهه بأسمائنا، وتشنيعه علينا. وليس يمنعنا من جوابه إلا لأنه، إن أجابنا، لم يكن جوابنا إياه على قوله الثاني، أحق بالترك من جوابنا على قوله الأول، فإن نحن جعلنا لابتدائه جوابا، وجعلنا لجوابه الثاني جوابا، خرجنا الى التهاتر، وصرنا الى التخاير «٣» . ومن خرج الى ذلك، فقد رضي باللجاج «٤» حظا، وبالسخف نصيبا.
وليس يحترس من أسباب اللجاج إلا من عرف أسباب البلوى. ومن وقاه الله سوء التكفي وسحفه، وعصمه من سوء التصميم ونكده، فقد اعتدلت طبائعه وتساوت خواطره. ومن قامت أخلاطه على الاعتدال، وتكافأت خواطره في الوزن، لم يعرف من الأعمال إلا الإقتصاد، ولم يجد أفعاله أبدا إلا بين التقصير والإفراط، لأن الموزون لا يولد إلا موزونا، كما أن المختلف لا يولد إلا مختلفا. فالمتتابع لا يثنيه زجر، وليست له غاية دون التلف، والمتكفّي ليس له مأتى، ولا جهة، ولا له رقية «٥» ، ولا